الأحد 26 أكتوبر 2025 م - 4 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : الشباب .. رهان النهضة وسر تجددها

الأحد - 26 أكتوبر 2025 04:30 م

رأي الوطن

20


يأتي احتفال سلطنة عُمان بيوم الشَّباب العُماني، الَّذي يوافق السادس والعشرين من أكتوبر من كُلِّ عام، امتدادًا لرؤية سامية أرساها المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ، الَّذي جعل من الشَّباب رهان النهضة وأداتها الأولى في البناء والتجديد، فقَدْ آمَنَ بأنَّ التنمية تقوم على العقول الَّتي تبدع والإرادات الَّتي تخلص، فجعل بناء الإنسان أوَّل مشروع وطني في مَسيرة الدولة الحديثة. ومن هذا الإرث الراسخ واصَلَ حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ المَسيرة بروح مُتجدِّدة جعلت الشَّباب في قلب القرار الوطني، لِينتقلَ مفهوم الدولة تجاههم من الرعاية إلى المشاركة، ومن الاهتمام إلى الشراكة في صياغة المستقبل، وهكذا أصبح يوم الشَّباب تعبيرًا عن نهج سامٍ يؤمن بأنَّ التنمية لا تقاس بالمشروعات وحدها، وإنَّما بقدرة الإنسان على أنْ يكُونَ جزءًا من صياغتها واستمرارها.

لقد أثمَرَ هذا التحوُّل في فلسفة الدولة وعيًا جديدًا لدَى شبابنا، حيثُ انتقل به من حدود الطموح الفردي إلى الإحساس بالمسؤوليَّة الجماعيَّة تجاه الوطن، فأصبح النجاح الشخصي امتدادًا للمصلحة العامَّة، ومعيارًا لمدى الإسهام في خدمة المُجتمع ودعم الاقتصاد الوطني، حيثُ انعكست هذه الروح في مشروعات يقودها شباب يملكون الإصرار على تحويل الأفكار إلى إنجازات، وفي مبادرات تنمويَّة تترجم روح المشاركة إلى فعل واقعي.. ومع اتساع هذا الوعي، برز جيل يؤمن بأنَّ العطاء فعل يبدأ من المبادرة، وأنَّ الريادة قِيمة تُثبت بالعمل لا بالانتظار، وهذا الوعي الجماعي يُشكِّل اليوم ملامح مرحلة جديدة، يتقاطع فيها الإبداع الفردي مع المصلحة الوطنيَّة في مسارٍ واحد يفتح الطريق نَحْوَ المستقبل.

ولعلَّ ما يميِّز التجربة الوطنيَّة في التعامل مع قضايا الشَّباب هو قدرتها على تحويل الحماس إلى إنتاج، والطموح إلى قِيمة اقتصاديَّة مضافة. فالمشهد الوطني يعكس حضورًا متناميًا للشَّباب في ميادين الاقتصاد الحديث، من الطاقة المُتجدِّدة والتقنيَّات الرقميَّة إلى ريادة الأعمال والصناعات الإبداعيَّة. ويؤكِّد هذا الواقع أنَّ الجيل الجديد يشارك في صياغة الرؤى وصناعة الفرص، ويقود مسار التنمية بوعي وإصرار.. ومع توسُّع مشروعات التنويع الاقتصادي، تتقدم الكفاءات الشَّابَّة الصفوف في إدارة العمل والإنتاج والابتكار، لِتصبحَ طاقتها محورًا أساسيًّا في تحقيق الأهداف الوطنيَّة، وهكذا تتجسَّد فكرة أنَّ التنمية تقاس بحركة الإنسان الواعي وقدرته على تحويل الفكر إلى عمل، والإمكان إلى إنجاز يترك أثرَه في واقع الوطن.

إنَّ وعي الشَّباب العُماني اليوم يُمثِّل امتدادًا طبيعيًّا لتاريخٍ وطني صنعته أجيال آمنَتْ بالعمل، وأخلصَتْ في العطاء، وشمَّرتْ عن سواعد الجِد لبناء حاضر نعيشه كان يومًا مستقبلها المأمول. ومع تسارُع التحوُّلات العالميَّة، يدرك الجيل الجديد أنَّ الحفاظ على مكتسبات الدولة مسؤوليَّة توازي مسؤوليَّة البناء، وأنَّ النهضة تستمدُّ استمرارها من وعيٍ يتطور مع الزمن ولا يعرف التراجع، فكُلُّ مشروع وطني يحتاج إلى عقل شابٍّ يبتكر، وقلب مخلص ينتمي، وإرادة تمضي بثبات نَحْوَ الغد. فهذا الوعي الجمعي الَّذي يحمله الشَّباب، قلب الوطن النابض دائمًا، هو درع عُمان وسِر استقرارها، ومِنه تنبثق قدرتها على التجدُّد والتقدُّم في عالم لا يرحم المتقاعسين.. فالأوطان الَّتي تؤمن بشبابها تكتب تاريخها بمداد من وعي وإرادة لا تنطفئ.