وما زلنا نقرأ في سيرة الداعية المخرج الفنَّان الدَّاعية للإسلام مصطفى العقاد، هذا المخرج والفنَّان الدَّاعية للإسلام والَّذي أسلَم على يده أكثر من عشرين ألف شخص، فنكمل ما بدأناه في مقالنا في الأسبوع الماضي والمنشور في هذه الجريدة الغرَّاء (الوطن) العُمانيَّة، يوم الأحد الموافق الـ(19) من أكتوبر 2025م، والَّذي كان بعنوان: قراءة في سيرة مصطفى العقاد: المخرج الفنَّان والدَّاعية للإسلام (1)، ذلك الفنَّان الَّذي نشأ في بيئة دِينيَّة محافظة، وتربَّى على يد والده الواعظ (شيخ الدِّين)، وكان والده يَعدُّ صناعة السينما وغيرها من الفنون لا تتفق وتعاليم الدِّين الإسلامي، في حين أنَّ ابنه مصطفى العقاد كان يرى أنَّ السينما وسيلة لتعريف الناس بالدِّين الإسلامي، وأنَّ هذه الوسيلة هي أفضل من الطرق التقليديَّة الَّتي يتبعها الدعاة والواعظون في تعريف الناس بالدِّين الإسلامي وهو أسلوب المحاضرة. وقد اهتم مصطفى العقاد منذ طفولته بتطوير قدراته وخبراته في الإنتاج الفني، فقد كان يتدرب على التصوير الفوتوغرافي وهو صغره، واشترى كتابًا باللُّغة الإنجليزيَّة حَوْلَ صناعة السينما فترجمه بنفسه لِينميَ معرفته في هذا المجال.
واصَل اجتهاده في تطوير قدراته في مجال صناعة السينما، وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره فكَّر في أن يسافر إلى أميركا لدراسة هذا الفنِّ، ولكنَّه أضمر في نفسه هذه الفكرة حتَّى لم يكُنْ قادرًا على خطو هذه الخطوة المهمَّة في حياته، فبدأ في تهيئة نفسه للسفر، فقد اشترى الكتب المقررة لتدريس صناعة السينما في الجامعة بأميركا، واعتكف على قراءتها، وترجمتها من اللُّغة الإنجليزيَّة إلى اللُّغة العربيَّة، وبذلك أصبح لدَيْه حصيلة لُغويَّة قويَّة للمصطلحات في مجال السينما وتحسَّن مستواه في اللُّغة الإنجليزيَّة، ليسهل عليه الدراسة باللُّغة الإنجليزيَّة، ويسهل عليه التأقلم في المُجتمع الأجنبي. ولم يكتفِ بإعداد نفسه من النَّاحية الفنيَّة، بل بدأ يعدُّ نفسه من النَّاحية الماديَّة، حيثُ عمل في أحد البنوك ليجمع المال استعدادًا للسفر.
وعندما أصبح مستعدًّا للسفر والدراسة في الخارج، بدأ العمل على اجتياز أصعب عقبة وهي إقناع والديه بالسفر، حيثُ واجَه أباه بقضيَّتين كبيرتين وصادمتين للأب، الأولى سفره للخارج للدراسة في بلد أجنبي، فثقافة هذا البلد تختلف عن ثقافة مُجتمعاتنا العربيَّة، والثَّانية أنَّه سيدرس هذا التخصص الَّذي يعارضه والده، ويرى أنَّه لا يتَّفق مع تعاليم دِيننا الحنيف! فظلَّ مصطفى العقاد يحاول إقناع والده بالسفر حتَّى أقنعَه وخضع الأب لرغبة ابنه ووافق على مضض. واصَل العقاد في إقناع أبيه بأهميَّة الفنِّ وخصوصًا الإخراج وبأنَّه لا يتعارض مع تعاليم دِيننا، حتَّى تشرَّبَ الأب بفكرة ابنه وأصبح يشجِّعه. وجاء يوم الرحيل، وحلَّت غصَّة الفراق في حلْق الأب، وعصف القلق بقلبه على تمسُّك ابنه بدِينه وبقِيَم مُجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا. كتَم آلامه وودَّع ابنه العزيز، وعند الوداع قدَّم له مبلغًا من المال ومعه مصحف وكُلُّه رجاء ألَّا يضلَّ ابنه عن هدي هذا القرآن. غادر العقاد سوريا في سنٍّ مبكرة في عام 1954 للالتحاق بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) لدراسة الإخراج. وعلى الرغم من أنَّه تمكَّن من إقناع والده بالسفر وحقَّق رغبته، إلَّا أنَّه لم يكُنْ ابنًا عاقًّا متمردًا، بل ظلَّ متعلقًا بأبيه، متمسكًا برسالته سائرًا على دربه، فواصَل دربه في مجال الفنِّ والإخراج، إلَّا أنَّه لم يَحِدْ عن مدرسة والده. فكم كان يطلب زملاؤه منه تغيير اسمه واستبداله باِسْمٍ أجنبي ليسهل أمره في أميركا، إلَّا أنَّه كان يرفض ويقول: هذا الاسم ورثته عن أبي فكيف أتخلى عنه؟! طار العقاد إلى لوس أنجلوس لِيرويَ شغفَه وحُبَّه لصناعة السينما، وهناك اِلْتحقَ بالجامعة، وقد دفعه شغفه هذا لأن يكُونَ من الطلبة المتفوقين المتميزين، والبارزين في مجال الأنشطة الطلابيَّة في مجال تخصُّصه، فقد كان طالبًا نشيطًا في مجال السينما، ومع ذلك لم يصرفه تحقيق حلمه عن الدروس الَّتي تعلَّمها من أبيه.. فقد ظلَّت جزءًا من تكوينه، ولم ينصرف عن تحقيق قناعته في أنَّ السينما لا تعارض تعاليم دِيننا الحنيف بل تخدمه. تلك قناعة آمَن بها وغايته أن يثبتَها للعالم أجمع. فمن خلال الأنشطة الطلابيَّة شارك في مسابقة لإنتاج الأفلام، حيثُ أنتج فيلمًا سينمائيًّا عن (قصر الحمراء)، وفاز بالجائزة الأولى، وعرض هذا الفيلم في العديد من المناطق بأميركا. وبهذا الفيلم أوفى العقاد بوعده بأنَّه يلتزم بالقِيَم الَّتي تعلَّمها من أبيه، ويبلِّغها للناس، أن يبلِّغها ليس عن طريق وعظ في زوايا المسجد، بل من خلال عرض أفلام سينمائيَّة في صالات السينما، فشدَّ انتباه الناس من جميع الأديان والجنسيَّات؛ لأنَّه يخاطبهم بلُغة عصرهم، فهو يعرف بالدِّين بعرض تاريخ المسلِمِين. تلك خطوات خطاها الفنَّان الدَّاعية مصطفى العقاد لِيثبتَ للناس أنَّ تعريف الناس بالإسلام ليس بمحاضرة، بل بأساليب حديثة، ومنها الأفلام، وسنكمل تتبع خُطى العقاد في العدد القادم... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
Najwa.janahi@