جاءت كلمة سلطنة عُمان بمناسبة يوم الأُمم المُتَّحدة الَّذي يوافق الرابع والعشرين من أكتوبر تعبيرًا صادقًا عن رؤية الدبلوماسيَّة الوطنيَّة الراسخة الَّتي تسعى إلى عالم يسوده السلام والاستقرار والتعاون؛ لِيكُونَ ذلك بوَّابةً نَحْوَ تنمية مستدامة تنطلق من الإنسان وتعود إليه. وقد حملت الكلمة في مضمونها تأكيدًا واضحًا على النَّهج العُماني المتَّزن الَّذي ظلَّ متمسكًا بمبادئ القانون الدولي، وروح الميثاق الَّذي أُنشئت عليه الأُمم المُتَّحدة قَبل ثمانية عقود، حيثُ سعَتِ السلطنة عَبْرَ كلمتها إلى تجديد التزامها بالقِيَم الَّتي تحفظ كرامة الإنسان، وتُعِيد الاعتبار لسيادة الدول في وجْه صخب المصالح والتحالفات. فالقوَّة الحقيقيَّة وفْقَ الرؤية العُمانيَّة تقاس بقدرة الدول على الثَّبات في الموقف مهما تغيَّرت موازين القوى. ومن هذا الثَّبات تتجدد الرسالة للعالم بأنَّ السلام يُبنى بالعقل، وأنَّ العدالة تتحقق عندما يصبح احترام السيادة قاعدة ثابتة تَضْمن الأمن الإنساني والاستقرار الدولي.
إنَّها وصفة عُمانيَّة تستند إلى تجربةٍ عميقة من الحياد الإيجابي، تسعى إلى أنْ تُعِيدَ العالم إلى صوابه قَبل أنْ تتفاقمَ الأزمات الكبرى الَّتي يعيشها واقعنا المعاصر، فالتعدديَّة في الفكر الوطني تُمثِّل نهجًا متكاملًا يرى في الحوار طريقًا إلى العدالة، وفي المشاركة الدوليَّة وسيلةً لصون الأمن الجماعي، ما يعكس رؤيةً فلسفيَّة تَعدُّ أنَّ التعاون بَيْنَ الدول هو الضمانة الحقيقيَّة لتوازن المصالح، وأنَّ الاستقرار يتحقق عندما تتساوى الأصوات داخل المنظومة الدوليَّة، ومن خلال هذا النَّهج تؤكد أنَّ العالم يُدار بالتفاهم لا بالمواجهة، في مقاربة تعتمد على النفَس الهادئ الَّذي تتبناه السلطنة دائمًا، وهو النَّهج الَّذي جعلَ من الصوت العُماني حاضرًا في لحظات تتنازع فيها القوى الكبرى على تعريف العدالة، فبقِيَتِ السلطنة مثالًا للعقل الَّذي يوازن بَيْنَ الواقع والمبدأ، ويمنح الدبلوماسيَّة معناها الإنساني الأعمق.
لعلَّ جوهر التميُّز في التجربة العُمانيَّة أنَّها نقلت مفهوم السياسة من ساحة الصراع إلى مساحة الوعي الإنساني، فحوَّلت الدبلوماسيَّة إلى فعل أخلاقي قَبل أنْ تكُونَ أداة نفوذ، وهو إدراك عميق يجعل من صوت السلطنة حضورًا مختلفًا في منظومة الأُمم المُتَّحدة؛ لأنَّها تنطلق من قناعة بأنَّ السلام يبدأ من احترام الإنسان وحقوقه الأساسيَّة لا من موازين القوَّة. فحين تتحدث سلطنة عُمان عن التنمية، فهي تعني تنمية الكرامة قَبل الاقتصاد، وحين تدعم جهود الإغاثة، فإنَّها تستدعي قِيَمها الأصيلة في الرحمة والتكافل. فهذا النَّهج الإنساني هو الَّذي أكسب الموقف العُماني احترام العالم؛ لأنَّه يُعِيد تعريف معنى المشاركة الدوليَّة بوصفها التزامًا أخلاقيًّا تجاه المعاناة الإنسانيَّة.. ومن خلال هذا المسار، تؤكد السلطنة أنَّ الاستقرار يتحقق بالضمير الَّذي يحكم الاتفاقيَّات، وبالقدرة على رؤية الإنسان في قلب كُلِّ قضيَّة.
إنَّ كلمة السلطنة في يوم الأُمم المُتَّحدة تمثِّل تعبيرًا عن وعي متجذر يرى أنَّ استدامة السلام ترتبط بقدرة العالم على احترام الإنسان والبيئة والعدالة في آنٍ واحد. فالمستقبل يُبنى بالفعل المشترك الَّذي يوازن بَيْنَ مصالح الحاضر وحقوق الأجيال القادمة، ويستمد قوَّته من إرادة أُمميَّة تدرك أنَّ القِيَم الإنسانيَّة هي الركيزة الأولى لأيِّ نهضة حقيقيَّة. ومن هذا المنطلق تؤكد السلطنة على أنَّ التحدِّيات الكبرى من تغيُّر المناخ إلى الفقر والنزاعات تحتاج إلى إدراك جماعي بأنَّ مصير الإنسانيَّة واحد، وأنَّ بناء الأمن الشامل يبدأ من العدالة ومن إعلاء قِيمة التعاون الَّذي يجمع الأُمم بدل أنْ يفرقَها، وفي هذه الرؤية تتجلى ملامح السياسة العُمانيَّة الحديثة، الَّتي تجعل من السلام مشروعًا مستمرًّا، ومن التنمية وعدًا مفتوحًا للأجيال القادمة، ومن الحوار لُغة تُعِيد الثقة إلى العالم. فالرسالة الَّتي حمَلتها الكلمة تؤكد أنَّ الحاضر لا يكتمل من دُونِ وعي بالمستقبل، وأنَّ مسؤوليَّة البشريَّة اليوم هي أنْ تصنعَ نظامًا دوليًّا أكثر إنصافًا يضع الإنسان في مركز القرار.