الجمعة 24 أكتوبر 2025 م - 2 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

أوراق الخريف : السلام ليس اتفاقية

أوراق الخريف : السلام ليس اتفاقية
الأربعاء - 22 أكتوبر 2025 11:30 ص

د. أحمد بن سالم باتميرا

50


إنَّ تحقيق السلام الشامل والأمن الدائم يستحيل دون قيام الدولة الفلسطينيَّة المستقلة، وتستحيل الثقة في الكيان اليهودي مهما كانت هناك تعهدات واتفاقيَّات، وهذا ما عرفناه منه وأفعاله كثيرة. ولكن نأمل هذه المرة أن تكُونَ اتفاقيَّة «سلام شرم الشيخ» لحظة تاريخيَّة تعكس كُلَّ التوقعات، وتسهم في تحقيق الأمن والاستقرار لأهل غزَّة وفلسطين عامَّة، بعد أن عجز المُجتمع الدولي عن تحقيق ذلك خلال سنتين من حرب الإبادة والتطهير والجوع وخلال (76) عامًا على الاحتلال.

كُلُّ الدلائل والمؤشرات والوقائع على الأرض تؤكد أنَّ الحرب على غزَّة لم تنتهِ، وأنَّ ما حدَث ما هو إلَّا هدنة لإعطاء الصفة القانونيَّة على جائزة نوبل للسلام الَّتي يطمح إليها الرئيس الأميركي، والدليل الاعتداء «الإسرائيلي» الأخير على عائلة شعبان.

لذا الرئيس ترامب والوسطاء مدعوون إلى متابعة تجاوزات الاحتلال المُجرِم، والقيام بِدَوْرهم في إلزامه باحترام اتفاق وقف الحرب، والتدخل لإيقاف هذا التعنت وكبرياء «النتن». فالولايات المتحدة الداعم الأول والمغذي الرئيس لـ»إسرائيل» بالأسلحة والمال والزاد والمؤن، عليها الوفاء بالتزاماتها القانونيَّة والأمنيَّة.

كُلُّ شيء صار على ما يرام في مدينة السلام، ولكن ذلك لا ينسينا أنَّ المقاومة صمدت وانتصرت في هذه المرحلة من الطوفان بفضل صبر وإيمان وعزيمة أبنائها، ورغم موافقة قادتهم على وقف الحرب والاتفاق، إلَّا أنَّ الحرب لم تنتهِ وقد تكُونُ المرحلة القادمة أصعب على أهل غزَّة وفلسطين عامَّة إذا ظلت السياسة الأميركيَّة على موقفها.

فالشكر موصول للقادة الَّذين وقَّعوا على الاتفاقيَّة والضمانات والَّذين أدّوا دَوْر الوسيط للوصول إلى هذه الوثيقة في «شرم الشيخ» والَّتي نأمل أن تفتح بابًا للسلام الحقيقي في الشرق الأوسط.

فهل سيتحقق السلام وترامب يمدح ويثني على المُجرِم «النتن» خلال خطابه في الكنسيت، ويدعو لرفع القضايا عنه؟ أي سلام وأصحاب القضيَّة يمنعون من دخول مدينة نيويورك لإلقاء الخطاب السنوي لهم في منظمة الأمم المتحدة؟ أي سلام سيتحقق والهدف كما يدَّعون ليس غزَّة فقط؟!

فإرادة الشعوب هي الَّتي ستحقق السلام، والفرح يكتمل بالتطبيق الفعلي على ما تم الاتفاق عليه، وليس بالكلمات، وخطاب ترامب في الكنيست ما زال عالقًا في الآذان فأعيدوا سماعه مرات ومرات «أمن إسرائيل لن يعود مهددًا»، وشكرًا «يابيبي»، قمت بعمل رائع. لم تكُنْ شخصيَّة سهلة في التعامل، لكن هذا ما يجعلك عظيما» المُجرِم أصبح عظيمًا، وأحسن استخدام الأسلحة الأميركيَّة». هكذا يعلنها بكُلِّ بجاحة ترامب.

فالبنادق لم تسكت إلَّا من جانب واحد، والاختراق والاعتداءات «الإسرائيليَّة» مستمرة، والشَّعب الغزاوي صابر صبر أيوب ولن يتزعزع من أرضه، وإطلاق سراح (250) أسيرًا فلسطينيًّا محكومين بالسجن المؤبد والأحكام العالية ومجموعة كبيرة من الأسرى أيضًا، لن يحرك شيئًا من قوَّتهم والتنازل عن قضيَّتهم. فالحقيقة والحرب مؤلمة، والاتفاق ما زال هشًّا، ومن هنا يَجِبُ على صنَّاع القرار وقف الحرب ودخول المساعدات والالتزام بمبدأ السلام الَّذي يقوم على عدم حرمان أي شَعب من حقوقه المشروعة.

نعرف يقينًا أنَّ الرئيس ترامب لديه القدرة على إنهاء هذا الصراع الَّذي دام أمده، وطال زمنه، وتحقيق مشروع السلام النهائي، لما يملكه من صفات متعددة تؤهله لهذا الأمر، والسعي للاعتراف بدولة فلسطين مثل فرنسا وبريطانيا.

ولا يُمكِن لعاقل أن ينُكر حقيقة ما حدث خلال سنتين من الحرب، ولا يُمكِن لعاقل أن ينكر أنَّ أهل غزَّة استطاعوا مقاومة العصابات المسلَّحة والمعدَّات العسكريَّة الأميركيَّة والأوروبيَّة خلال (24) شهرًا. فمرحبًا بالسلام إن كان منصفًا وعادلًا. فكُلُّ ما يتمناه كُلُّ عربي نزيه أن تحقق وثيقة شرم الشيخ أهدافها، وأن يسود السلام المنطقة. فالدولة المحتلة وحلفاؤها عانوا من هزيمة سياسيَّة استراتيجيَّة خلال الفترة الماضية، وعلينا استغلالها.

فالسلام هو خيار العقلاء في العالم، والرئيس الأميركي هو الوحيد القادر على إلزام «إسرائيل» بقَبول السلام ووقف الحروب. فالقصة ليست اتفاقًا فقط أو وثيقة، أو كلمات وتصريحات، فالحربٍ كانت قاسية على أهلنا في غزَّة، وقد دقت ساعة السلام، وعلينا تثبيتها، لِيعودَ أهل غزَّة لسكناهم ويعاد تعمير ما دمَّرته آلة الحرب «الإسرائيليَّة» الأميركيَّة بأموالهم.. والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا

[email protected]