يقول تعالى في كتابه الكريم الآية (93) من سورة البقرة عن نقض بني «إسرائيل» لعهودهم (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)، وهذا ما توقعناه وذكرنا احتمالات حدوثه في المقال السابق وفْقَ حوادث سابقة وتاريخ حافل من نقض الاتفاقات والعهود، والمبنية على المعطيات السابقة لأيِّ اتفاق عقد بَيْنَ الكيان المحتل والمقاومة الفلسطينيَّة، في ظل حكومة التطرف الَّتي يرأسها الـ(نتنياهو)، كان الفشل هو النتيجة النهائيَّة لأيِّ اتفاق، وكانت وجهة النظر مبنية على تاريخ كبير من المماطلة وعدم تنفيذ الوعود من قِبل الكيان المحتل، وذلك رغم مظاهر الاحتفال المصاحبة لحضور الداعم الأول للكيان رئيس الولايات المُتَّحدة دونالد ترامب. وقد أثبتت الأيَّام صدق هذه الرؤية بعد الخروقات الهمجيَّة من قِبل جيش الكيان المحتل والَّتي أسفرت عن العديد من الاعتداءات، ومنها استهداف ستة أفراد من المقاومة الفلسطينيَّة في منطقة جباليا في عمليَّة سُميت بـ(الصيد الثمين) ومعاودة قصف بعض المناطق في جنوب غزَّة ممَّا أسفر عن سقوط العديد من الشهداء والمصابين، ثم تصريح الكيان الغاصب بعد ذلك بتجميد الضرب والعودة لتنفيذ الاتفاق، وهكذا تتكرر الاعتداءات على أهالي غزَّة الَّذين لم يبرحوا أن ينعموا بوقف إطلاق النار حتَّى تحاصرهم القذائف والصواريخ ليل نهار، مما يرفع الكلفة على المَدَنيين في غزَّة جدًّا، من حيثُ البنية الأساسيَّة، والمساعدات الإنسانيَّة، وحياتهم اليوميَّة، وهذا ما كان متوقعًا بالفشل التدريجي، والاقتصار على تنفيذ انتقائي للاتفاق بما يراه العدوُّ يخدم أهدافه؛ لأنَّه ليس هناك ضامن لالتزام حكومة الكيان بالاتفاق، خصوصًا وإن كان مصير ومستقبل مُجرِم الحرب ـ بحكم محكمة العدل الدوليَّة ـ الـ(نتنياهو) مرتبط باستمرار هذه الحرب حتَّى لا يتعرض للمحاكمة.
إنَّ ما قامت به حكومة التطرف للكيان المحتل مخالف لكُلِّ الأعراف والمواثيق الدوليَّة، فقد تم توثيق عشرات الخروقات الَّتي قام بها جيش الاحتلال، وصلت في اليوم إلى (47) خرقًا على قِطاع غزَّة داخل اتفاق وقف إطلاق النار، هذه الخروقات أدَّت إلى استشهاد (38) فلسطينيًّا، وإصابة (143) آخرين، وشملت الانتهاكات رصاصًا مباشرًا على المَدَنيين، قصفًا متعمدًا للأحياء السكنيَّة، بعد وقف إطلاق النار الَّذي دخل حيِّز التنفيذ في الـ(10) من أكتوبر 2025، لينفذ جيش الاحتلال سلسلة ضربات جويَّة واسعة في جنوب غزَّة وسط سلسلة من ارتكاب انتهاكات متكرّرة لاتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى إيقاف دخول المساعدات الغذائيَّة، مع اتخاذ ذريعة قضيَّة إعادة الجثث والأسرى للكيان المحتل الَّذي يربط بَيْنَ ذلك وفتح معَبْرَ رفح مما يجعل الاتفاق هشًّا ومرشحًا إلى الانهيار والعودة مرة أخرى إلى الحرب بشكلٍ رسمي.
ونتيجة لكُلِّ تلك المعطيات فإنَّه ينبغي على المقاومة الفلسطينيَّة أن لا ترتكن إلى عهود ومواثيق الكيان المحتل، فهذا الكيان لا عهود له خصوصًا إذا كان الوسيط هو الداعم الأكبر له، وقد اعترف بذلك دونالد ترامب حين تفاخر قائلًا: (نتنياهو كان يتصل بي مرارًا ويطالب بشتَّى أنواع الأسلحة، وأنتم أحسنتم استخدامها) فكيف لهذا المنطق أن يكُونَ وسيطًا بَيْنَ طرفين يدعم أحدهما بكُلِّ قوَّة، وهذا يدفعنا إلى التوقع أنَّ ما يحدُث هو سيناريو مخطَّط له مسبقًا بدعم كامل من الولايات المُتَّحدة، وأنَّ الحديث عن ضغط أميركي لتنفيذ الاتفاق هو الجزء التجميلي الخادع من السيناريو، ولن يحدث إلَّا في حالة تكبيد الكيان المحتل خسائر كبيرة تؤدي إلى خروج الداخل في مظاهرات عارمة تطالب باستقالة حكومة التطرف الَّتي هزمت أمام المقاومة الباسلة.
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن»