الأربعاء 22 أكتوبر 2025 م - 29 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : اللامركزية الصناعية رهان المستقبل وجهود التنويع

الأربعاء - 22 أكتوبر 2025 04:20 م

رأي الوطن

20


تمضي سلطنة عُمان في مسار تنموي يقوم على إعادة توزيع النشاط الاقتصادي على امتداد الجغرافيا، لِتتحولَ التنمية من مركز واحد إلى شبكةٍ من المحاور الإنتاجيَّة، الَّتي تنبض بالحياة في كُلِّ محافظة. هذا التحوُّل يتجاوز البنية المكانيَّة لِيعبِّرَ عن جوهر الرؤية الاقتصاديَّة، الَّتي تراهن على اللامركزيَّة كأداة للتنويع، حيثُ تُبنى المُدُن الصناعيَّة الجديدة وفْقَ خصوصيَّة كُلِّ منطقة، وتستثمر مواردها في خلق فرص إنتاجيَّة متنوعة، تُعزِّز الاكتفاء الوطني وتوسِّع قاعدة الدخل. فالتنويع في جوهره هو إعادة صياغة العلاقة بَيْنَ الإنسان والمكان، فكُلُّ مشروع في محافظة جديدة يُمثِّل خطوة نَحْوَ توازن اجتماعي واقتصادي، يَضْمن توزيع الفرص بعدالة، ويقرِّب التنمية من المواطن، ويفتح أمامه آفاق المشاركة في الاقتصاد المنتج.. إنَّها فلسفة جديدة للتنمية ترى في اللامركزيَّة وسيلة لتمكين المحافظات وتحويلها إلى روافد حقيقيَّة للاقتصاد الوطني.

وتجسِّد مدينة السويق الصناعيَّة هذا التَّحوُّل على أرض الواقع، فهي تُمثِّل نموذجًا متقدِّمًا لفلسفة التنمية اللامركزيَّة الَّتي تتوسع لِتشملَ مختلف المحافظات. ومع إعلان طرح مناقصة تنفيذ المرحلة الأولى من المدينة، تبدأ سلطنة عُمان فصلًا جديدًا من فصول التنويع الصناعي، إذ يمتدُّ المشروع على مساحةٍ ضخمة تتجاوز خمسة ملايين متر مربع، ويؤسِّس لبنية إنتاجيَّة حديثة، تربط الصناعة بالزراعة والطاقة والتقنيَّات المساندة، لِتتحولَ السويق إلى محورٍ صناعي جديد في شمال الباطنة، وتتجلى القيمة الحقيقيَّة للمشروع في فكرته الَّتي تفتح المجال أمام استثمارات نوعيَّة، تتكامل مع رؤية التنويع الاقتصادي وتدعم الأمن الغذائي من خلال البيوت المحميَّة وتقنيَّات الزراعة المائيَّة الحديثة. فالمدينة الصناعيَّة في جوهرها تُمثِّل منصَّة اقتصاديَّة تُعِيد تشكيل المشهد الإنتاجي في المنطقة، وترسِّخ مفهوم التنمية المتوازنة الَّتي تنقل الفرص إلى حيثُ يعيش الناس، وتمنح المحافظات أدوارًا حقيقيَّة في معادلة النُّمو الوطني.

لعلَّ الأثر الأوسع لمشروع مدينة السويق الصناعيَّة يتمثل في ما يحمله من فرص حقيقيَّة لتمكين الكفاءات الوطنيَّة والشَّباب وروَّاد الأعمال، إذ يُشكِّل المشروع مساحة جديدة لانطلاق الطاقات الوطنيَّة نَحْوَ ميادين التصنيع والابتكار، فوجود بيئة صناعيَّة حديثة بهذا الحجم يخلق منظومة عمل متكاملة تتوزع فيها الأدوار بَيْنَ المستثمرين والمورِّدين والكوادر الوطنيَّة، لِتنشأَ شبكة إنتاج محليَّة تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وترفع كفاءتها التنافسيَّة. كما تُسهم المرحلة الأولى من المشروع في تحريك سلاسل القيمة المضافة، وتنشيط الخدمات اللوجستيَّة والهندسيَّة والبيئيَّة في المنطقة، ما يُعزِّز مفهوم الشراكة بَيْنَ الدولة والمُجتمع في تحقيق الأهداف الاقتصاديَّة الكبرى، وتُعِيد هذه المنظومة الاعتبار للصناعة الوطنيَّة كركيزة أساسيَّة لبناء المستقبل، وتمنح الشَّباب فرصة المشاركة في تحويل الرؤية إلى واقع ملموس على أرضهم.

إنَّ المشاريع الصناعيَّة الجديدة تُمثِّل ركيزة أساسيَّة في بناء المستقبل، فهي تجسِّد تطلُّعات رؤية «عُمان 2040» الطموحة نَحْوَ اقتصاد متنوع يقوم على الابتكار والمعرفة، ويضع الإنسان في صدارة أولويَّاته. ومع كُلِّ مشروع يُنفَّذ في محافظة جديدة، تتسع دائرة المشاركة الاقتصاديَّة، ويتعزز حضور المواطن في مسار التنمية، فتتحوَّل المُدن الصناعيَّة إلى مراكز إنتاج ومعرفة تنقُل الاقتصاد الوطني إلى مرحلة أكثر توازنًا واستدامة، ويكشف التوسُّع في هذه المشاريع عن وعي وطني متقدم يرى في الصناعة طريقًا لترسيخ الاستقلال الاقتصادي، ووسيلة لإطلاق طاقات المُجتمع نَحْوَ الإبداع والإنتاج، ومن خلال هذا المسار تتشكل ملامح البلاد الجديدة، حيثُ تتكامل الصناعة مع الزراعة والتقنيَّة والابتكار في منظومة واحدة تصنع فرص العمل وتوسّع القاعدة الإنتاجيَّة، لِتقدِّمَ للعالم نموذجًا وطنيًّا متوازنًا يجمع بَيْنَ الرؤية والقدرة وبَيْنَ الإنسان والأرض.