التقرير السنوي الصادر عن جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدولة والَّذي يحمل عنوان «ملخص المُجتمع» دائمًا ما يثبت حرص قيادتنا الحكيمة على إرساء مبادئ العدل والحقِّ والمساواة في البلاد.. فالرقابة مشددة على الوحدات الحكوميَّة والهيئات والاستثمارات والشركات المشمولة برقابته، والجميع أمام القانون سواء، لا يوجد فرق بَيْنَ مواطن وآخر أو مُقِيم.. كما أنَّ النتائج الَّتي تعلن على الملأ بكُلِّ شفافيَّة ونزاهة وأمانة وصدق تؤكد على حرص الدولة على إشراك المواطن في كُلِّ ما يخصُّ وطنه.. فكما أنَّه شريك في مسيرة التنمية عليه أن يلمَّ بكُلِّ ما يَدُوْر حَوْلَه في البلاد.
وملخَّص المُجتمع عن عام 2024م والَّذي كشف عنه جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدولة مؤخرًا استعرض الكثير من نتائج المتابعة والرقابة ومدى الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على القانون، وتعزيز الأمانة والصدق والنزاهة ومحاسبة المخالفين.. ولعلَّ من أهمِّ ما أشار إليه التقرير السنوي هو تحصيل واسترداد مبالغ ماليَّة لصالح الخزانة العامَّة للدولة بلغت نَحْوَ (58) مليون ريال عُماني، وهذا بالطبع مبلغ ضخم جدًّا.. ولعلَّ ضخامة هذا المبلغ تبرهن على مدى الجهد الكبير المبذول من قِبل المسؤولين في الجهاز والَّذين نفَّذوا أكثر من (225) مهِمَّة، ممَّا يدلُّ على إخلاصهم ووفائهم ووطنيَّتهم وحُسن خدمتهم لبلادهم، وحرصهم على الحفاظ على المال العام.. ولكنَّه على الجانب الآخر يظهر مدى تفشِّي التقصير بَيْنَ بعض الموظفين في الشركات والهيئات والوحدات المخالفة، وكيف أنَّهم خالفوا القانون واللوائح والأخلاق، لا سِيَّما أنَّ هذه المخالفات تعلقت باستغلال المنصب لتحقيق منفعة وقَبول الرشوة للقيام بأعمال منافية لواجبات الوظيفة والتزوير المعلوماتي، والتزوير في محررات رسميَّة، واختلاس أموال عامَّة، والإخلال في أداء الواجبات الوظيفيَّة، والتعدي على المال العام كما ذكر التقرير.
إنَّ ملخَّص المُجتمع ليس مجرَّد تقرير عادي، بل هو مؤشر على يقظة الجهاز وتسابق المسؤولين فيه لكشف أيِّ تجاوزات ومخالفات ماليَّة وإداريَّة وحماية ممتلكات المواطنين ومكتسبات الوطن.. كما أنَّ الجهاز تعامَل مع الشكاوى والبلاغات بمنتهى السرعة والإنجاز، حيثُ أنجز منها أكثر من (90%) وهو ما يدلُّ على أنَّ قنوات التواصل بَيْنَ المواطن والحكومة مفتوحة ومتصلة ومتفاعلة.
لا شك أنَّه ممَّا يُحزن كُلَّ مواطن هو وجود مثل هذه النفوس الضعيفة في مفاصل الدولة والَّتي ارتكبت المخالفات والتجاوزات وضعفت أمام بريق المال.. ولكن نحمد الله أنَّ الجهاز كان لها بالمرصاد، وكشف على الملأ بكُلِّ شفافيَّة هذا الفساد الإداري والَّذي نتمنى أن يتعظ أصحابه ومَن في مثل مناصبهم، ويثوبوا لرشدهم ويحافظوا على مكتسبات بلدنا، ويتعاملوا بكُلِّ أمانة وصدق مع مهام وظيفتهم حتَّى يبارك الله لهم في مالهم؛ لأنَّ المال الحرام لا يدوم.
لا شك أنَّ الفساد الإداري يحتاج وقفة صارمة.. فتقارير ملخَّص المُجتمع المتتالية تظهر تنامي هذه الظاهرة المؤسفة.. فكُلُّ عام تزداد أعداد القضايا والمخالفات والمبالغ المستردة، وهو ما يتطلب التعامل بِيَدٍ من حديد مع كُلِّ مَن يجرؤ على إلحاق الضرر بالبلاد وبمصالح المواطنين.. نحن نعلم أنَّ القضاء يتعامل بكُلِّ جديَّة وعدالة مع مثل هذه القضايا، ولكنَّ الأمر هنا يتعلق باستئصال شأفة الفساد من جذوره وضمان عدم تكراره مرَّة أخرى.
إنَّ مجهودات الدولة جليَّة للعيان وتشخيصها الأبصار بكُلِّ وضوح، والدَّوْر يأتي هنا أيضًا على المواطنين الَّذين يَجِبُ عليهم التكاتف مع المسؤولين في الدولة، ومساعدتهم لكشف أيِّ مخالفة أو تجاوز من قِبل أيِّ موظف.. فالمواطن شريك في مسيرة التنمية والنهضة، وكذلك الرقابة والمحاسبة وواجبه نَحْوَ بلاده الحفاظ على مصادرها وأموالها ورعاية مصالحها ومقاومة أيّ فساد يظهر فيها حتَّى يتمَّ القضاء على هذه الآفة البغيضة.
إنَّنا في فترة من عمر الوطن أحوج ما نكُونُ فيها لتكاتف الأيادي المخلصة والنفوس النقيَّة والسواعد الفتيَّة حتَّى نحقق مستهدفات الرؤية المستقبليَّة الطموحة «عُمان 2040» على أرض الواقع.. وهنا يأتي دَوْر الإعلام والتعليم وعلماء الدِّين، بل وكُلّ فرد في المُجتمع مسؤول عن رعيَّته أن يُسهم في بث روح المسؤوليَّة بَيْنَ أبناء المُجتمع وتقوية الوازع الديني لدَيْهم وتوعيتهم بضرورة الإبلاغ الفوري عن أيِّ فساد يرونه يصدر من شخص معدوم الضمير.. وبهذه الطريقة نستطيع القضاء على أيِّ خللٍ في الدولة.
لا شك أنَّ كُلَّ مواطن يشعر بالاطمئنان وراحة البال لوجود جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدولة.. فهو يطمئن أنَّ حقَّه مُصان ومحمي بقوَّة القانون، وأنَّ هناك مَن يوصد باب الفساد أمام ضعاف النفوس الَّذين يشكِّلون معاول هدم للمكتسبات.. فمصلحة الوطن فوق أيِّ مصلحة شخصيَّة، واستغلال النفوذ للحصول على الأموال بالباطل آفة لا بُدَّ من استئصال شأفتها.
كُلُّ الشكر للجهود المخلصة الَّتي تسعى لتحقيق الاستقرار للمُجتمع وصون منجزات النهضة المباركة، وندعو الله أن يوفقَ قيادتنا الحكيمة وحكومتنا الرشيدة لما فيه صالح البلاد والعباد.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني