تمرُّ على سلطنتنا الغالية، بلدنا الحبيب، الاحتفالات بيوم المرأة العُمانيَّة، حيثُ خصَّص السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ يوم الـ(17) من أكتوبر عام 2009م يومًا للمرأة العُمانيَّة، ويتمُّ الاحتفال بهذا اليوم سنويًّا لتكريم دَوْر المرأة العُمانيَّة ومساهماتها في مختلف مجالات الحياة في سلطنة عُمان.
يتداول في مُجتمعنا أنَّ منزلة ومكانة المرأة هي نصف المُجتمع، وهذه المقولة هي انتقاص كبير لمنزلة المرأة صراحةً؛ لأنَّ المرأة ليست معادلة رياضيَّة حتَّى نقول نصف المُجتمع، وأنا شخصيًّا أُومِن بأنَّ المرأة داعم أساس وجوهري بالمُجتمع، والَّتي هي تدير مسائل ومفردات كبيرة وفي غاية الأهميَّة الأُسريَّة في البيت، وتُعدُّ العائلة نموذجيَّة بهُوِيَّة وشخصيَّة وكاريزما المرأة مع احترامي العالي لمنزلة الرجُل في الأسرة أو العائلة. وهما الاثنان (كالخيمة وعمودها)، فهما يكملان بيت الأصالة والكرم والأمان والاستقرار بالعائلة أولًا وبالعمل الرسمي ثانيا؛ لأنَّ أيَّ خللٍ في عمود الخيمة أو قماش الخيمة سوف يؤشر ويؤثر على الحضور وهم أفراد العائلة والمُجتمع.
دِينُنا الحنيف والرسالة المحمديَّة الشريفة وضعا الأُسُس الجوهريَّة وسِمات كاريزما المرأة القياديَّة المتواضعة بالمُجتمع، وفنَّ التعامل مع الآخرين ومهاراتهنَّ بالإتيكيت الرسمي والاجتماعي، وجعلا للمرأة المكانة العظيمة بالمُجتمع، والتاريخ يخبرنا بأنَّ الخطَّ الثاني من غزوات الجيش الإسلامي هو من النساء يسندن الجيش بالإعاشة والطبابة. وهناك عدَّة آيات كريمة حَوْلَ سُلوك وشخصيَّة المرأة، حيثُ قال الله تعالى في مُحكم كِتابه في سورة الأحزاب (الآية 33): (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى)، وكذلك قوله تعالى: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) (القصص ـ 25).. وغيرهما من الآيات والأحاديث والسِّيرة النبويَّة الشريفة.
اقتبست المدارس الدبلوماسيَّة الأجنبيَّة ـ وخصوصًا الإنجليزيَّة ـ المتخصِّصة بإتيكيت وبروتوكول المرأة، الشيء الكثير من الدبلوماسيَّة الإسلاميَّة.. وكما اعتدنا من المدارس الأجنبيَّة فإنَّها تتفاخر بالاهتمام بمهارات وكاريزما المرأة؛ لغرضِ تطوير وصقل مفردات حياتها اليوميَّة.
ونتطرق اليوم إلى أهمِّ مفردات الإتيكيت للمرأة القياديَّة المتواضعة والَّتي تحتاجها في حياتها الرسميَّة والاجتماعيَّة. ولأنَّ التواضع سِمة راقية وجوهريَّة من سِمات القيادة الناجحة بعيدًا عن الأنانيَّة وحُب التسلُّط، وعدم الاستماع لبقيَّة الأطراف، سواء من الموظفين أو العائلة؛ لأنَّ ذلك يُعَدُّ من وسائل الدَّمار للمُجتمع، سواء على مستوى أهداف الجهة الحكوميَّة أو العائلة والأسرة.
وتذهب المدارس الدبلوماسيَّة المتخصِّصة بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت إلى كيفيَّة صناعة أو صقل مهارات المرأة، وتجعلها قياديَّة نموذجيَّة متواضعة بكُلِّ صفات الإيجابيَّة والَّتي لها مردودات كبيرة على دائرتها أو جهتها الَّتي تعمل فيها. وهذا لا يأتي إلَّا بدخول معترك الحياة الأكاديميَّة المتخصِّصة بالمهارات الدبلوماسيَّة والخبرة المحنكة والَّتي تأتي بالدرجة الأساس من الرغبة في استلام مهام ومسؤوليَّات في غاية الأهميَّة.
وقد دمجت المعاهد والمدارس الدبلوماسيَّة صفات المرأة القياديَّة بضرورة المرور بمثلث الحياة وهو (فنُّ الدبلوماسيَّة، الإتيكيت، والبروتوكول) لأنَّ من المستحيل أن تتبوأ أيُّ امرأة منصبًا رفيع المستوى أو حتَّى رئيس قِسم وهي ليست لدَيْها معلومات عن فنِّ الإتيكيت والبروتوكول، والخطأ الشائع للجميع بأنَّ الإتيكيت هو فقط كيفيَّة الأكل بالسكين والشوكة، ناسين أو متناسين بأنَّ فنَّ الإتيكيت في الدول الأوروبيَّة ـ وخصوصًا الغربيَّة ـ يُعَدُّ الحجر الأساس للمرأة لتبوؤ مناصب ومهام في غاية الأهميَّة بسبب معلوماتها الثريَّة بفنِّ الإتيكيت الحكومي والاجتماعي والبروتوكول.
من سِمات كاريزما المرأة القياديَّة المتواضعة (إنجاز، إبداع، كفاءة) في إنتاجيَّة العمل اليومي مهما كان نوعه، وركَّزت بأنَّ على المرأة أن تنسى أو تضع جانبًا مشاكلها أو حياتها الشخصيَّة اليوميَّة، وهي تتوجه إلى العمل وتبدأ بجدولة ساعات العمل، وعليها تقييم عملها من حيثُ الجودة والكفاءة، ويُعَدُّ هذا اليوم هو بمثابة سلَّم الصعود لليوم الثاني، ووصولًا إلى سِمات القيادة الرشيقة.
من أهمِّ سِمات المرأة القياديَّة المتواضعة هي: الابتعاد عن الاحتكاك اللفظي مع الآخرين، الابتعاد عن الأنا ودكتاتوريَّة القرار، الابتعاد عن حُب المنصب، الابتعاد عن الانطواء بالمكتب، الابتعاد عن الغرور والتكلم عن المنجزات الشخصيَّة، الابتعاد عن المبالغة في الكلام، الابتعاد عن التباهي بالممتلكات الشخصيَّة كالملابس والذهب والإكسسوارات والحقيبة والساعة.. وغيرها، الابتعاد عن التكلم بصوتٍ عالٍ، الابتعاد عن تقريب أو تفضيل أحد الموظفين عن البقيَّة، الابتعاد عن توبيخ أحد الموظفين أمام الجميع، الابتعاد عن الاستفسار عن جدول الأعمال اليومي من المنسقة أو مدير المكتب، الابتعاد عن استخدام المكياج الصارخ، الابتعاد عن الملابس الضيقة وذات الألوان الشعاعيَّة غير المناسبة، تجنُّب عدم الالتزام بساعات العمل، تجنُّب المشاعر والأحاسيس المبالغ فيها أثناء العمل، تجنُّب المزاح والجلوس مع الموظفين لفترات طويلة.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت