الاثنين 20 أكتوبر 2025 م - 27 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : الذين تتكلم عنهم الجبال: المبادرات الشعبية فـي جبال ظفار

رحاب : الذين تتكلم عنهم الجبال: المبادرات الشعبية فـي جبال ظفار
الاثنين - 20 أكتوبر 2025 11:50 ص

د ـ أحمد بن علي المعشني

20

ما زلت أتذكر منذ سنوات تلك الرحلة الجبلية التي قادتنا ـ برفقة بعض الزملاء من عشّاق «الهايكنج» ـ إلى منطقة جبلية تقع شمال شرق صلالة تسمى (أذيربوب). كانت الطبيعة هناك خلابة إلى حد الانبهار، لكنها وعرة ومليئة بالممرات الضيقة والمنحدرات الخطرة. قبل النهضة المباركة، كان سكان المنطقة يسلكون تلك الممرات الصعبة بحثًا عن الماء من العيون الجبلية ومسارب حفظ المياه، معرضين أنفسهم لمخاطر الانزلاق والسقوط. كانوا ينزلون بالحبال عبر فتحات لا يقدر على عبورها إلا النحيفون من الرجال، في مشهد يجسد صلابة الإنسان العُماني في مواجهة التحديات.

سمعت من رفاقي أن صاحب الجمل الذي حملوا عليه أدوات ومعدات صيانة ذلك الطريق الوعر آنذاك هو المواطن علي بن أحمد سكيدان المسهلي، الذي درَّب جمله على اجتياز تلك المسالك الوعرة بثقة عجيبة وأن يتبعه مهما صعبت المسالك والممرات. قالوا إن الجمل كان يتبعه بخطوات حذرة، وكأنَّه يعرف الطريق بفطرته، في مشهد لا يُنسى من التناغم بين الإنسان والطبيعة، وبعد جهود مضنية ومنتظمة استطاع ذلك الفريق الذي يتكون من علي بن أحمد سكيدان المسهلي ومؤمن بن أحمد الشعف المسهلي وسلومة عامر المعشني وآخرين أن يجعلوا من ذلك الممر الجبلي الضيق طريقًا سالكًا شمالًا وجنوبًا. أمضينا نهارنا في كهف إذيربوب، وكانت إطلالة جميلة على التنوع الطبيعي الذي تتمتع به جبال محافظة ظفار، وكنا ونحن نستمتع بالمكان وسهولة الوصول إليه نطلب من الله الأجر للذين يقومون بهذه الجهود، ووجد بعضنا في نفسه الشعور بما يمكن عمله، وفعلًا التحق بعض زملائنا بهذه المبادرات المثمرة.

وفي السنوات الأخيرة، تشهد محافظة ظفار مبادرات مجتمعية راقية لصيانة الطرق الجبلية وشق مسارات جديدة وتسهيل الوصول إلى العيون المائية. وكان قدوة تلك المحاولات كلها جهود الشيخ المرحوم محمد بن سالم برهام باعمر رحمه الله، يتحدث عنه رفاقه كما يتحدثون عن الأنبياء والنساك، فهو قليل الكلام، قليل الطعام، كثير العمل، لا يكل ولا يمل، واستمر في جهوده الطبية طيلة حياته حتى لقي الله وقد تجاوز الثمانين عامًا وهو مستمر في جهوده يجتذب الكثيرين من الناس للعمل التطوعي الخيري.

هذه المبادرات الشَّعبية تمثل نموذجًا مضيئًا لـ«روح المبادرة» في المجتمع العُماني، وتستحق الدعم والتنظيم من المؤسسات التعليمية والاجتماعية. فالكثير من المتقاعدين والشباب يمتلكون الطاقة والخبرة الكافية للمساهمة في خدمة بيئتهم ومجتمعهم. وإذا ما جرى احتضان هذه الفرق وتوفير الموارد لها، فإنها يمكن أن تصبح رافدًا مهمًّا للتنمية المجتمعية والسياحة البيئية في ظفار. إن المبادرات المجتمعية كالفرق التطوعية والمبادرات الفردية التطوعية تبث الحياة في ثقافة العمل الخيري المترسخة أصلًا في نفوس وعقول الشَّعب العُماني في مختلف مناطق سلطنة عُمان، ومن شأن دعمها أن يجعلها جاذبة لاستثمار طاقات الباحثين عن العمل عن العمل والطلبة والمتقاعدين وجميع فئات المجتمع ليكونا جميعًا أكثر نفعًا للناس والوطن والإنسانية.

د. أحمد بن علي المعشني 

 رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية