الاثنين 20 أكتوبر 2025 م - 27 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : بين التشريع والتطبيق وحوكمة القرار المؤسسي.. دعوة لتشكيل فريق وطني يعنى بضبط اللوائح التنظيمية والقرارات الإدارية

في العمق : بين التشريع والتطبيق وحوكمة القرار المؤسسي.. دعوة لتشكيل فريق وطني يعنى بضبط اللوائح التنظيمية والقرارات الإدارية
الاثنين - 20 أكتوبر 2025 12:00 م

د.رجب بن علي العويسي

10

انطلاقًا من مسار حوكمة العمل الوطني الَّذي اتجهت إليه سلطنة عُمان في إطار تحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»، وقانون مجلس عُمان رقم (7/‏2021) الَّذي حدَّد في مادَّته (47) «تُحال مشروعات القوانين الَّتي تعدُّها الحكومة إلى مجلس عُمان لإقرارها أو تعديلها ثم رفعها إلى السُّلطان مباشرة، للتصديق عليها وإصدارها، والشطر الآخر من المادة.. بالإضافة إلى المادة (48) لمجلس عُمان اقتراح مشروعات قوانين وإحالتها إلى الحكومة لدراستها، والمادة (49) تُحال مشروعات القوانين من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى... وما يظهر من هذه المواد وضوح مسار الدَّوْرة التشريعيَّة للقوانين، بَيْنَما أرجعت مواد القوانين أمر إصدار اللائحة التنظيميَّة إلى قرار رئيس الوحدة، سواء بتحديدها في وقت زمني معيَّن أو غير ذلك. ونظرًا لما عكسته معطيات الواقع المؤسَّسي من بعض مؤسَّسات الجهاز الإداري للدولة من صدور لوائح تنظيميَّة، كان للمواطن رأي آخر فيها، الأمر الَّذي أوجد حالة من عدم الثقة في الجهد المؤسَّسي، وفتح المجال لمزيدٍ من التباينات والفجوة والامتعاض وعدم الأريحيَّة لدى المواطن أو المستهدف من اللائحة، كما هو حاصل في إصدار اللائحة التنظيميَّة لعمل عمَّال المنازل ومن في حكمهم الَّتي أصدرها وزير العمل بالقرار الوزاري رقم (574/‏2025) أو غيرها من اللوائح التنظيميَّة الَّتي أصدرتها وزارة العمل والمؤسَّسات الأخرى، هذا الأمر بات يتجه أيضًا إلى مسألة القرارات الوزاريَّة والإداريَّة في المؤسَّسات وبعض التعميمات الَّتي باتت محل نظر من المواطن المستهدف منها، وأوجد حالة من الاستياء المُجتمعي الَّذي له بلا شك تداعياته السلبيَّة على الأداء الحكومي والشراكة المُجتمعيَّة.

وبالتالي ما تؤسِّسه منظومة حكومة الأداء للوصول إلى قرار مؤسَّسي رشيد ومنتج ينطلق من البيئة العُمانيَّة والثقافة الوطنيَّة، ويراعي التحولات والمستجدات العالميَّة، ويستوعب التغيُّرات الحاصلة في ثقافة المُجتمع العُماني، والوعي الجمعي الَّذي بات متيقظًا لهذه الإخفاقات أو الثغرات في ظل ما أتاحته المنصَّات التواصل الاجتماعي من فرصة أكبر للحوار التشاركي الإلكتروني في تحليل ودراسة وتداول هذه اللوائح وما فيها من مواد، وما قدَّمته بعض الهاشتاقات حَوْلَها من ثراء معرفي ونقد بنَّاء أسهم فيه المختصون وأصحاب العلاقة والقانونيون والمثقفون والكتَّاب ومستخدمو المنصَّات الاجتماعيَّة والمتضررون من هذه القرارات في كشف العوار أو الثغرات الحاصلة في هذه اللوائح التنظيميَّة أو القرارات الوزاريَّة والإداريَّة والتعميمات، سواء من حيثُ التوقيت لها، والفئة المستهدفة منها، أو مدى ارتباطها بالواقع الاجتماعي وتعبيرها عنه، وإلى أي مدى راعت القِيَم والأعراف الوطنيَّة، أو مدى تعبيرها عن مفاهيم الإنسانيَّة وإدارة المشاعر، والصورة الذهنيَّة الَّتي قدَّمتها للمواطن حَوْلَ أداء المؤسَّسات أو المنظومات الوطنيَّة بشكل عام، ومدى اقترابها من تفكير المواطن وقناعاته ومراعاتها للظروف الاقتصاديَّة والمعيشيَّة الَّتي باتت يواجهها في ظل معطيات الحالة الاقتصاديَّة.

من هنا تبرر هذه المعطيات وغيرها الحاجة إلى أن تبني منظومة العمل الوطني مسارات واضحة وفْقَ أدوات محكمة ومنهجيَّات رصينة ومحكَّات مقننة واستراتيجيَّات تُعزِّز من روح المواطنة وتجسّد قِيَم الولاء والانتماء يُعزِّز الحوكمة ويضمن الكفاءة في القرار، عبر إيجاد فريق عمل وطني من المتخصصين وأصحاب الأمانة الوظيفيَّة في مختلف قِطاعات الدولة الأمنيَّة والعسكريَّة والمدنيَّة وممثلين من السُّلطات التشريعيَّة والتنفيذيَّة والقضائيَّة يتبع مجلس الوزراء ويمنح الصلاحيَّات الكافية والممكنات الداعمة له، بالنظر في كُلِّ اللوائح التنظيميَّة، وكذلك القرارات الوزاريَّة والإداريَّة الَّتي يظهر ارتباطها المباشر بحياة المواطن واستقراره النفسي والاجتماعي والفكري أو لها علاقة بالظروف المعيشيَّة، أو تلك الَّتي يترتب عليها رفع رسوم والتزامات ماليَّة أو إقرارها. إنَّ من شأن وجود فريق عمل متكامل للنظر في اللوائح التنظيميَّة والقرارات الوزاريَّة والإداريَّة رفع درجة الثقة المُجتمعيَّة في الأداء الحكومي، وتعزيز مفهوم الحوكمة في القرار المؤسَّسي الَّذي يراعي مختلف الظروف ويقف على العوامل والمتغيرات من أجل قرار وطني ناجز ومسار مؤسَّسي يحظى بتقدير المواطن واحترامه، ويؤسِّس لمرحلة متقدمة من الالتزام المُجتمعي بما تقرُّه مواد هذه اللوائح ليقفَ عليها المواطن أو المستهدف بكُلِّ مهنيَّة ووعي وإخلاص والتزام بتطبيقها وتجديد الالتزام والوعي الجمعي بها لِيكُونَ من مهمَّة كُلِّ مواطن ليس فقط تطبيقها في ذاته، بل أيضًا تعزيز الوعي الجمعي بها، فإنَّ من شأن وضوح المسار، الحدّ من حالة الاجتهاديَّة الَّتي بات يسقطها المواطن على قرارات المؤسَّسات والَّتي تبرز في مؤشرات عملها، غياب التكامل المؤسَّسي في إقرارها، إذ إنَّ ما يظهر من بعض هذه اللوائح، ومنها اللائحة الَّتي أشرنا إليها سلفًا، هو عدم تعريضها وإقرارها من الشركاء والمؤسَّسات ذات العلاقة أو أنَّها بنيت في إطار فردي، أو أنَّ الإطار التفاعلي نَحْوَها لم يكُنْ بالشكل المطلوب، وكأنَّ المؤسَّسة صاحبة القرار تريد أن تنجز لوائحها بدون النظر إلى رأي الشركاء الاستراتيجيين المؤثرين في المسألة، وهو أمر بات له تداعياته السلبيَّة على الثقة في هذه اللوائح والإجراءات والقرارات وفي الوقت نفسه مسار العدالة والمهنيَّة والاحترافيَّة فيها، ومدى التزامها بتحقيق أمرين أساسيين هما صناعة الأثر الناتج عن وجود هذه اللوائح الَّذي يفترض أن يُعزِّز من حوكمة العمل المتعلق باللائحة وضبطه وإعادة هندسته وإنتاجه بروح حضاريَّة متجددة، يراعي كُلَّ المتغيرات، ويقف على شواهد الإنجاز وأفضل الممارسات، وفي الوقت نفسه يحقق معادلة التوازن بَيْنَ المطلوب والممكن في ظل استقراء لمراحل العمل، أما الجزئيَّة الأخرى فترتبط بمسار الاحتواء لهذه اللوائح، بحيثُ تستوعب ظروف المواطن وتتجاوب مع مشاعره، وتراعي إمكاناته وتحافظ على موارده، فيلتف حَوْلَها الجميع بكُلِّ مصداقيَّة وشفافيَّة وثقة والتزام، وهو أمر لا يُمكِن أن يتحقق إلَّا في ظل التزام نهج المصارحة والمكاشفة والشفافيَّة، ووضع المواطن في صورة ما يجري من عمل أو جهد مؤسَّسي، الأمر الَّذي ينتقل خلاله المواطن من مرحلة الانتظار لما تسفر عنه هذه الجهود إلى مشاركته في صناعتها ووقوفه مع المؤسَّسات في ضمان تحققها. وإنَّ من بَيْنِ الأمور الَّتي يُمكِن أن يعتمد عليها فريق العمل في تنفيذ اختصاصاته في قراءة وتحليل وضبط هذه اللوائح التنظيميَّة والقرارات، هو وضعها ضمن محكَّات وطنيَّة امتثالًا للأوامر والتوجيهات السامية لجلالة السُّلطان المُعظَّم في الموضوع، والنظام الأساسي للدولة والقوانين ذات الصلة أو العُرف المُجتمعي العام والثوابت الوطنيَّة المرتبطة بالرفاه الاجتماعي وكرامة المواطن وإنسانيَّة الوظيفة العامَّة والحقوق الوطنيَّة؛ كما ترتبط بقراءات استشرافيَّة للعامل الاقتصادي ودخل الفرد والرواتب والمكافآت وغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار والتضخم، والحالة الاقتصاديَّة والاقتصاد العالمي وغيره من التفاصيل الدقيقة الَّتي بات استحضارها ضرورة في مراجعة جادَّة لهذه اللوائح؛ لضمان إنتاجيَّة القرار وجاهزيَّته وكفاءة الأثر الَّذي يقدِّمه في حياة المواطن. إنَّ الحديث عن حوكمة الأداء الحكومي عامَّة وإنتاجيَّة القرار المؤسَّسي وتعظيم أثره ورسم خريطة تحوّل قادرة على صناعة التغيير الإيجابي، يَجِبُ أن تنظر اليوم إلى أهميَّة الرأي والرأي الآخر، والقِيمة المضافة من الرسالة الإعلاميَّة المرتجعة، والأهميَّة المرتبطة بثورة الأفلام والأفكار المضادَّة في سبيل إعادة تصحيح المسار وضبط الصورة وتوجيه بوصلة العمل، ولذلك يَجِبُ الالتفات اليوم إلى ما يثار عبر المنصَّات الاجتماعيَّة وغيرها في سبيل الوصول إلى منجز وطني يحمل في ذاته مرتكزات القوَّة والنجاح. ولعلَّ من بَيْنِ الأمور الَّتي يَجِبُ استحضارها في عمل هذه الفريق أو غيره هو تعظيم دَوْر مراكز القياس عامَّة وقياس الاتجاهات خاصَّة ومختبرات لقياس الرسالة المرتجعة للوسيلة الإعلاميَّة المرتجعة، إذ من شأن قياس الرأي العام والاتجاهات الوطنيَّة ورصد مرئيَّات المواطنين والمستهدفين من هذه اللوائح حَوْلَ اللائحة التنظيميَّة قيد الدراسة والعمل، أن يسهم في تشاركيَّة القرار وتوفير بيانات ومعلومات ومواقف قد تكُونُ غير مدركة أو بات تسليط الضوء عليها أولويَّة يَجِبُ أن تكُونَ حاضرة للتقليل من الصورة السلبيَّة ورفع درجة الجاهزيَّة المؤسَّسيَّة في أنَّ ما اتخذته الوزارة من قرارات إنَّما هو بعد عرضه على هذه الفريق، وهو نتاج لمشاركة الرأي والرأي الآخر، الأمر الَّذي سيقلل من ردات الفعل السلبيَّة، وسيمنح القرار المؤسَّسي قوَّة وهيبة، ويضمن أنَّ القرار جاء لحلِّ مشكلة، وتعظيم قِيمة، وصناعة تحول، وبناء وعي، وإنتاج سلوك، وإلهام للمواطن، وأنَّ هذه اللوائح والقرارات عبَّرت بصدق عن احتياجات المواطن، ووضعت اليد على الجرح، وأنَّها تمارس دَوْرها كمسار لتنظيم العمل في الموضوع ذات العلاقة ورفع سقف الابتكاريَّة والعلميَّة والمهنيَّة والشراكة، ووحدة الجهود لتحلَّ محلَّ الفردانيَّة والسُّلطويَّة والأنانيَّة وغياب المرجعيَّات ومزاجيَّة المسؤول الحكومي.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]