الأحد 19 أكتوبر 2025 م - 26 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

صناعة التوازن بين حقوق العمالة الوافدة المنزلية وحقوق أصحاب العملف

صناعة التوازن بين حقوق العمالة الوافدة المنزلية وحقوق أصحاب العملف
الأحد - 19 أكتوبر 2025 11:59 ص

محمد بن سعيد الفطيسي

10


حق العامل ـ وقبل أن ينظِّمه قانون وضعي ـ كفله الإسلام فجاءت الشريعة بكثير من القِيَم والمبادئ والتشريعات لضمان حقوقهم الإنسانيَّة والماليَّة، حقهم في المعاملة غير مقبولة للبدن والنفس، حقهم في الراحة والاستقرار والترويح عن النفس، حقهم في الأجر في وقته كاملًا غير منقوص، وغير ذلك مما يتضمنه عقد العمل أو حتَّى لا يتضمنه من أساسيَّات حقوق الإنسان.

وقد تربَّيْنَا في هذا البلد الكريم على ذلك منذ الصغر، دينيًّا وأُسريًّا، وتعلَّمنا ذلك في مؤسَّساتنا التعليميَّة. ولله الحمد فالعُماني لا يميز بَيْنَ الوافد وأبناء وطنه فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ولا يُمكِن أن يقبل على نفسه الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين، أما الحالات والتصرفات الفرديَّة والَّتي يُمكِن أن تقع تجاوزًا بالمخالفة للعلاقة بَيْنَ العامل وصاحب العمل، وهي حالات إنسانيَّة طبيعيَّة في العلاقات الإنسانيَّة، فقد تصدت لها التشريعات الوطنيَّة بكُلِّ حزم. ولعلَّنا نذكر ببعضها مثل المادة (18، 22، 25) من النظام الأساسي للدولة رقم (٦/٢٠٢١)، كذلك ما تضمَّنه قانون العمل العُماني رقم (53/ 2023) من نصوص، بالإضافة إلى غير ذلك من التشريعات الموازية مثل قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (126/2008)، وهي على سبيل المثال لا الحصر.

ومن باب الإنصاف فإنَّنا كذلك لا بُدَّ أن نشير إلى أنَّ بعض الحالات الَّتي قد يتجاوز فيها صاحب العمل أو يقع في مخالفة يكُونُ سببها العامل نفسه، عدم احترامه لصاحب العمل، أو التقصير في عمله، أو بسبب سلوك أو تصرف غير مقبول تكُونُ نتيجته ردة فعل طبيعيَّة من قِبل صاحب العمل. ونحن هنا لا نُبرِّر للطرفين أيَّ سلوك أو ردود أفعال قد ينتج عنها مخالفة، بل يَجِبُ أن نضع في الحسبان أنَّه وكما نحمِّل صاحب العمل المسؤوليَّة عن بعض المخالفات والسلوكيَّات فلا بُدَّ كذلك من الإشارة إلى سلوكيَّات بعض العمَّال غير المقبولة أبدًا.

إذًا لا مجال أبدًا للتشكيك في الجهود الرسميَّة فيما يتعلق بالمحافظة على حقوق العامل في سلطنة عُمان، هذا إذا ما أخذنا بالاعتبار وهو الأهم ما ورد ذكره وتطرقنا إليه في مقدِّمة هذا المقال من أخلاق واحترام وتقدير أبناء هذا الوطن العزيز للإنسان أينما كان مكانه وموقعه وجنسيَّته أو جنسه. فالعُماني صاحب العمل يعامل العمَّال وفْقَ أخلاقه وسَمْته وما تربَّى عليه، وهي نِعم التربية والأخلاق.

في مقابل ذلك، وهو ما أرغب تحديدًا التركيز عليه في هذا المقال الذاتي المختصر، والَّذي أتمنى أن يتسع صدر المعنيين وحكمتهم إليه، أقصد الإشكاليَّات الَّتي يواجهها المواطن العُماني في العلاقة التعاقديَّة مع العمالة الخاصة المنزليَّة خصوصًا، والَّتي يَجِبُ أن يُعاد النظر إليها وأخذها بعين الاعتبار، مسائل يَجِبُ أن يتم موازنتها ما بَيْنَ حقوق العامل وحقوق صاحب العمل، وكما يَجِبُ أن يتم المحافظة على حقوق العامل فإنَّه في المقابل يَجِبُ أن يتم صيانة والمحافظة على حق صاحب العمل.

وإن كانت هناك قوانين دوليَّة تضغط باتجاه مضاعفة التركيز على حقوق العمَّال، خصوصًا ما يتعلق منها بحقوق الإنسان وحقوق العمل، فإنَّ الحكومة العُمانيَّة ـ ممثلة بالجهات ذات الاختصاص ـ ملزمة بصناعة التوازن ما بَيْنَ حقوق أطراف هذه العلاقة، فلا إفراط ولا تفريط، بل إنَّ حقوق أصحاب العمل يَجِبُ أن تدوَّنَ في لائحة تنظيميَّة كما هو حال حقوق العامل، ويَجِبُ أن يعلمَها العامل منذ اليوم الأول، ومما لا شك فيه أنَّه يَجِبُ أن يتم المحافظة على حقوق أصحاب العمل في مواجهة عمَّال المنازل، سواء كانت تلك الحقوق ماليَّة أو غير ذلك.

وهنا نستدعي بعض الملاحظات الواقعيَّة الَّتي يكابدها صاحب العمل العُماني عِندَ التعاقد مع عاملات المنازل، فمنذ الإجراء الأول والَّذي يستوجب الدفع لمكاتب جلب العمالة والَّتي تتراوح بَيْنَ (600 ريال عُماني و2000 ريال)، قيمة ترخيص العمل (المأذونيَّة) وبطاقة العامل والفحص الطبي والَّتي قد تصل إلى (150 ريالًا تقريبًا)، هذا بالإضافة إلى أنَّ صاحب العمل هو مَن يتحمل جميع التكاليف الطبيعيَّة الناتجة عن التعاقد للعاملة مثل السكن والطعام واللباس وغير ذلك.

على ضوء ما سبق وفي مقابل حقوق عاملات المنازل والَّتي نظَّمها تخصيصًا قانون العمل سالف الذكر والقرار الوزاري رقم (٥٧٤/٢٠٢٥) بإصدار اللائحة التنظيميَّة لعمل عمَّال المنازل ومَن في حكمهم، تظهر الحاجة إلى تحديد أكثر دقة لحقوق صاحب العمل نظرًا لبروز العديد من التحدِّيات والمستحدثات في العلاقة التعاقديَّة في الوقت الراهن، خصوصًا في ظل الضغوط الدوليَّة الناتجة عن منظَّمات حقوق الإنسان والقوانين ذات العلاقة، بالإضافة إلى المطالبات المستمرة من قبل دول تلك العمالة بحفظ حقوق العمالة العاملة من مواطنيها في السلطنة، والتغيُّرات الَّتي تحدثها بتحديث الأجر والإجازات وغير ذلك.

ولا يَجِبُ أن نغفل عن تصرفات وسلوكيَّات تلك العمالة ولا نعمِّم هنا بكُلِّ تأكيد مثل الهروب الَّذي يترتب عليه خسائر ماديَّة أو المخالفات التعاقديَّة، يضاف إلى ذلك القضايا المرتبطة بمكاتب جلب العاملات والضمانات القانونيَّة لصاحب العمل، وحق العامل في الانتقال إلى صاحب عمل جديد بعد عامين من التعاقد، وما يترتب على ذلك من خسائر ماديَّة ونفسيَّة يتكبَّدها صاحب العمل.

حرصًا على الاستقرار وشعور أصحاب العمل بالإنصاف، خصوصًا بعد المساحة الكبيرة من التعاطي غير الإيجابي والمريح مع القرار الوزاري رقم (٥٧٤/٢٠٢٥) والشَّد والجذب الحاصل من قبل الرأي العام، فإنَّنا نوصي برفع الوعي من خلال توضيح حقوق أصحاب العمل في مواجهة عمَّال المنازل تحديدًا، وكم أتمنى أن يتم إعادة النظر في عقود العمل الرسميَّة المتعلقة بعمَّال المنازل شكلًا ومضمونًا لتظهر كذلك التوازن بَيْنَ أطراف العلاقة التعاقديَّة، وحرص الجهات المعنيَّة على المحافظة على حقوق أبناء هذا الوطن في مختلف أشكال التعاقدات، مما يعطي صورة ذهنيَّة بأنَّ الجهات المعنيَّة في سلطنة عُمان وكما تسعى بكُلِّ حرص على المحافظة على حقوق العمالة الوافدة استنادًا إلى القوانين والمعاهدات، فإنَّها كذلك تقف بكُلِّ قوَّة وحزم مع حقوق أبناء هذا الوطن في مواجهة الضغوط الدوليَّة والحقوقيَّة المتعلقة بالعمالة الوافدة.

وبالإضافة إلى ما سبق نوصي ومثلما طالما الكفيل تحمَّل مبالغ كبيرة لاستقدام هذا العامل يكُونُ عقد العمل (٤) سنوات وخلالها لا يحق للعامل تغيير الكفيل، أيضًا يتحمل خلال (٤) سنوات مكتب استقدام العاملات ضمان عدم هروبها، وفي حال حصل ذلك يعوَّض صاحب العمل بعاملة بديلة أو جزء من المصاريف الَّتي دفعها، كذلك من المهمِّ تغيير نمطيَّة توفير العمالة المنزليَّة من الطريقة التقليديَّة إلى فتح الباب لشركات أكبر إمكانيَّة توفّر العمالة المنزليَّة، سواء بالساعة أو باليوميَّة أو أي مدَّة يتفق عليها بحسب رغبة صاحب المنزل، وتكُونُ تحت كفالة هذه الشركات

من أراد أن يعمل في هذا الوطن الكريم من العمالة الوافدة الأجنبيَّة فيا أهلًا وسهلًا به، فسلطنة عُمان أرض الكرم والضيافة والأخلاق الحميدة، أهلها أهل أخلاق وإنسانيَّة، ولكن وفْقَ توازن في الحقوق والواجبات الإنسانيَّة والتعاقديَّة، لا يَجِبُ أن تُفرض علينا شروط تعاقديَّة تعسفيَّة أو تتنافى وثقافة أو طبيعة المُجتمع العماني أبدًا لأنَّ هناك حاجة للعامل الوافد، كما يَجِبُ أن تُعاد صياغة عقود العمل والضمانات الصادرة من مكاتب جلب العمالة الوافدة، وأن توضح حقوق أصحاب العمل فيما يتعلق بالتعاقدات مع عمَّال المنازل في لائحة مشابهة في حال التقصير أو الهروب أو انتقال العمل والندب وغير ذلك.

من زاوية أخرى يَجِبُ أن ننصتَ للرأي العام، يَجِبُ أن نستمع لكُلِّ الأصوات والانتقادات والمخاوف الناتجة عن التغيير في القوانين والقرارات واللوائح والَّتي تلامس المصالح المعيشيَّة لابن البلد، وأن تعمل سريعًا على زيادة الوعي وتوضيح ما يُمكِن أن يثير سخط وامتعاض الرأي العام تجاه ما يصدر من سياسات وتوجُّهات وقرارات، خصوصًا تلك الَّتي تلامس معيشة المواطن وحياته الخاصة.

ختامًا.. لم نَعتدْ من المسؤولين في هذا الوطن العزيز سوى الإنصات بحكمة ومصلحة وطنيَّة لكُلِّ الأصوات الناقدة بمسؤوليَّة ومحبَّة لعُمان ومصالحها ومصالح أبنائها، لذا أتمنى أن تجد لديهم جميع الأصوات القلقة والمتخوفة من القرار الوزاري رقم (٥٧٤/٢٠٢٥) بإصدار اللائحة التنظيميَّة لعمل عمَّال المنازل مساحة كبيرة من الاهتمام، وإعادة النظر في مختلف الملاحظات الصادرة عن الرأي العام الوطني حيال هذا القرار، وأن نسمع في القريب العاجل ما يزيل تلك المخاوف من خلال صناعة التوازن بَيْنَ حقوق العمالة الوافدة المنزليَّة وحقوق أصحاب العمل عَبْرَ قرارات ولوائح واضحة ومكتوبة.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @