الأحد 19 أكتوبر 2025 م - 26 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : الاستثمار الأجنبي.. قراءة فـي الثقة والتحول

الأحد - 19 أكتوبر 2025 03:30 م

رأي الوطن

10


تجاوز الاستثمارات الأجنبيَّة المباشرة في سلطنة عُمان حاجز الثلاثين مليار ريال عُماني يعكس تصاعد الثقة العالميَّة في الاقتصاد الوطني، ويؤكد أنَّ الإصلاحات المؤسَّسيَّة والماليَّة الَّتي نفذت خلال الأعوام الأخيرة بدأت تمنح نتائجها الملموسة، حيثُ يعبِّر هذا الحضور الدولي عن إدراك متزايد لجدوى التحوُّل الَّذي تقوده الدولة في بناء بيئة أعمال تستند إلى الشفافيَّة والانضباط، وتستوعب متطلبات الأسواق الحديثة. فالاقتصاد الوطني يتحرك بخطَّة واضحة تتعامل مع الاستقرار كقيمة منتجة، وتحوّل الرؤية إلى واقع اقتصادي منظَّم، كما يشير هذا التطور إلى انتقال فعلي من مرحلة جذب الاستثمارات، إلى مرحلة تمكينها داخل منظومة إنتاجيَّة توازن بَيْنَ الجدوى الماليَّة والبُعد الوطني، وتمنح السوق المحليَّة مكانتها الطبيعيَّة ضمن خريطة النمو الإقليمي والعالمي.

ولعلَّ أهمَّ ما يميِّز البيئة الاستثماريَّة في السلطنة أنَّها تتطور كمنظومة نضج إداري واقتصادي، تسعى إلى بناء الثقة قبل جذب الأموال، فالقوانين الحديثة الَّتي أعادت تنظيم العلاقة بَيْنَ الدولة والمستثمر منحت السوق وضوحًا واستقرارًا، ورسَّخت مبدأ الشراكة بدل المركزيَّة في صنع القرار الاقتصادي، وجاءت التشريعات الخاصة بالاستثمار الأجنبي والشراكة والإفلاس لتضع أُطرًا عمليَّة توازن بَيْنَ مصلحة الدولة ومخاطر المستثمر، وتخلق بيئة قانونيَّة تدار بالمنهج، كما أسهمت المنصَّات الرقميَّة مثل (عُمان للأعمال) و(أملاك) والنظام البلدي الموحَّد في تحويل الخدمة الحكوميَّة إلى تجربة متكاملة تقوم على السرعة والدقة والشفافيَّة، فغدت التقنيَّة أداة لتكريس التنافسيَّة وليس وسيلة لتيسير المعاملات، ويعكس التحوُّل المؤسَّسي الأخير وعيًا إداريًّا جديدًا يرى في الاستثمار شراكة إنتاج لا صفقة ماليَّة، وفي الحوكمة طريقًا مستدامًا للنُّمو.

ويؤدي القِطاع الخاص في سلطنة عُمان دَوْرا محوريًّا في تنفيذ التحوُّل الاقتصادي، مستندًا إلى شراكة مؤسَّسيَّة حقيقيَّة تجمع بَيْنَ الكفاءة والمسؤوليَّة، وهو ما يتجسد في مبادرات متعددة لتوسيع قاعدة الإنتاج وتعميق المحتوى المحلي، وربط المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة بالمشروعات الكبرى، ضمن سلاسل توريد وطنيَّة متكاملة، بالإضافة إلى الدَوْر الَّذي تؤديه الغرفة ومؤسَّسات الأعمال الوطنيَّة، الَّتي تعمل على تعزيز قدرات السوق من خلال برامج تدريب وتمويل وابتكار تواكب التغيُّرات التقنيَّة، والاحتياجات الجديدة للمستثمرين، كما تتكامل هذه المنظومة في صياغة واقع اقتصادي جديد يقوم على تحويل رأس المال إلى إنتاج مستدام، ويجعل من كُلِّ مشروع تجاري فرصة لتوسيع المعرفة وتوطين التقنيَّة، فتترسخ الثقة في قدرة السوق الوطنيَّة على النُّمو الذَّاتي والمحافظة على استقرارها أمام المتغيرات العالميَّة.

إنَّ المسار الاقتصادي في سلطنة عُمان يمضي بثبات نَحْوَ صياغة نموذج تنموي متكامل، يوازن بَيْنَ الطموح والاستدامة، ويعكس نضجًا في الرؤية الوطنيَّة الَّتي تعاملت مع الاستثمار؛ باعتباره فعل بناء طويل الأمد لا نشاطًا ماليًّا مؤقتًا، والجهود المؤسَّسيَّة والتشريعيَّة الَّتي رسّخت خلال الأعوام الماضية أوجدت بيئة قادرة على جذب رأس المال النوعي الَّذي يحمل قيمة مضافة، ومعرفة جديدة، فتتحول الثقة الدوليَّة بالاقتصاد الوطني إلى شراكة واقعيَّة تنتج فرص عمل وتوسِّع دائرة التنمية، وهو ما يضع السلطنة في موقع متقدم داخل المشهد الإقليمي، ويمنح التجربة الوطنيَّة خصوصيَّتها القائمة على الهدوء والعمل المتراكم والتخطيط الدقيق، وتتجه السلطنة مع استمرار هذا النَّهج نَحْوَ مرحلة أكثر عمقًا في بناء اقتصادٍ يوازن بَيْنَ احتياجات اليوم ورؤية المستقبل، ويجعل من الاستثمار وسيلة تُلبِّي طموحات الوطن وتطلُّعات المواطن نَحْوَ تنمية أكثر شمولًا واستقرارًا.