السبت 18 أكتوبر 2025 م - 25 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

قراءة فـي سيرة مصطفى العقاد: المخرج الفنان والداعية للإسلام «1»

قراءة فـي سيرة مصطفى العقاد: المخرج الفنان والداعية للإسلام «1»
السبت - 18 أكتوبر 2025 11:20 ص

نجوى عبداللطيف جناحي

20


عِندَما نصف شخصًا بأنهَّ داعية يتبادر إلى أذهاننا عالِم من علماء الدِّين ذو لحية كثيفة يرتدي جبة وعمامة، ويخطب في المسلمين واعظًا وناصحًا، ليعرفَهم بالدِّين الإسلامي، ويدعوهم إلى الالتزام بتعاليم دِيننا الحنيف أو ليعرفَ غير المسلمين بالدِّين الإسلامي، فهو يتكلم تارة في أمور العقيدة، وتارة في العبادات، وتارة في تاريخ المسلمين الأوائل فيذكر مواقفهم الَّتي نقتدي بها. وهؤلاء الدعاة هم من المؤثرين في المُجتمع، ولهم مواقف وإنجازات يذكرها المسلمون.

واليوم لنا وقفة أمام سيرة أحد الدعاة للدِّين الإسلامي والَّذين أثروا في المُجتمع، هذا الداعية الَّذي أسلم على يده أكثر من عشرين ألف شخص، لقدِ اجتهد في نشر الدِّين الإسلامي، ولاقى المعاناة في سبيل ذلك حتَّى شابَ شعره فجأة ودون تدرُج من شدَّة الإرهاق والضغوطات الَّتي لاقاها، هذا الداعية ودَّع الحياة قتيلًا ونحسبه شهيدًا عِندَ الله، ودَّع الحياة وقد كان يعدُّ للمزيد من البرامج لدعوة غير المسلمين للتعرف على الدِّين الإسلامي وفهمه فهمًا صحيحًا، ولكن تكمن المفارقة أنَّ هذا الداعية هو ليس بعالِم من علماء الدِّين، وليس متحدثًا ولا واعظًا، بل هو فنَّان عاش في أرقى الأوساط الفنيَّة وامتهنها كحرفة، هو يرتدي البدلة الأنيقة، ويتقن اللُّغة الإنجليزيَّة، وهو أميركي الجنسيَّة، هذا الداعية لم يدرسِ الشريعة الإسلاميَّة ولم يتخرج في الأزهر الشريف، بل درس الإخراج والإنتاج السنيمائي قي جامعة لوس أنجلوس بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركيَّة، هو مخرج ومنتج أفلام سينمائيَّة، وهو أول عربي يصل إلى هوليوود، أبدع في إنتاج الأفلام فأنتج سلسلة أفلام الرعب الأميركيَّة هالوين في السبعينيَّات.. إنَّه الداعية العربي الأصل الأميركي الجنسيَّة مصطفى العقاد. وُلد هذا الداعية المسلم في يوليو عام 1930م، في مدينة حلب في سوريا، وسط أُسرة محافظة، حيثُ ربَّاه أبوه على قِيَم الإسلام، وغرس فيه العقيدة الإسلاميَّة السليمة، وعزَّز لدَيْه معاني إسلاميَّة، منها أنَّ الدِّين الإسلامي دين الرحمة والمساواة والعدل، تأثَّر هذا الوالد بوالده كثيرًا، وكان متعلقًا به، ويسير على دربه، ويقتدي به، كان والده واعظًا في المساجد، أو بالتعبير الشَّعبي (شيخًا دِينيًّا)، وكان شديد التمسُّك بالدِّين الإسلامي، وهو من المعارضين لفكرة الفنِّ والسينما، ويرى أنَّ هذه المجالات بعيدة عن الدِّين، حيثُ كانت السينما في بداية ظهورها، والناس منقسمون بَيْنَ مؤيد ومعارض كعادة الناس عِندَ ظهور أيِّ شيء جديد. ومن المفارقات أنَّ ابن هذا الشيخ قد تعلَّق بفنِّ السينما، فمنذ طفولته كان يشعر بجاذبيَّة تجاه السينما، فقد كان منزله قرب أحد دُور عرض السينما، وكان يراقب من نافذة منزله ما يَدُور في دُور العرض، بل وأحيانًا كان يشاهد الأفلام عن بُعد دون أن يدفعَ قِيمة التذكرة، وقد كان له جار يوناني يشغل جهاز عرض سينمائي في بيته ويدعو له الجيران والأطفال، وقد كان العقاد ضمن هؤلاء الأطفال، وكم كانت هذه العروض تستهويه، وتشدُّه خصوصًا عِندَ عرضه للمقاطع الممنوعة من العرض في هذه الأفلام، وكم كان العقاد يغرق هذا اليوناني بالأسئلة حَوْلَ طريقة عمل أجهزة السينما والتصوير، خصوصًا وأنَّ العقاد كان يهوى التصوير الفوتوغرافي في طفولته، ويهوى الإخراج كذلك.. ففي العاشرة من عمره أخرج مسرحيَّة بعنوان (شاعر الصحراء) فأبدع فيها وتميز، حتَّى عرضت في معظم مناطق سوريا، ظلَّ شغفه بالسينما ينمو ويكبر، وقد سعى لتطوير نفسه فحرص على أن يتعلم ذاتيًّا حَوْلَ فنون السينما، وفي أحد الأيَّام تمكَّن من الحصول على كِتاب باللُّغة الإنجليزيَّة حَوْلَ صناعة السينما، فاشتراه واعتكف على قراءته، لم يكُنْ حينها يُتقن اللُّغة الإنجليزيَّة، فكان يترجم الكِتاب صفحة صفحة مستعينًا بقاموس يترجم من اللُّغة الإنجليزيَّة إلى العربيَّة، حتَّى تمكَّن من قراءة وفَهْم هذا الكِتاب، لم يفترْ شغفه بالسينما، وكان يرى أنَّها صناعة مفيدة للناس وللمُجتمع إذا ما وظِّفت توظيفًا سليمًا، وهو مخالف للرأي الَّذي كان يتبناه والده، وهو معارضة الفنِّ السينمائي بصورة خاصَّة والفنون بصورة عامَّة، بل تأصَّلت لدَيْه قناعة بأنَّ السينما وسيلة لنشر الإسلام الصحيح، وهو أفضل وسيلة لتعليم الناس بدِينهم. فالأفلام السنيمائيَّة أقدر على نقل المعرفة للأجيال، وهي خير وسيلة للتعريف بالدِّين الإسلامي، ورُبَّما تتفوق هذه الوسيلة على المحاضرات، فالناس يفضِّلون مشاهدة الأفلام أكثر من الاستماع للمحاضرات، وهذا يزيد من تأثيرها على الناس. وقد اجتهد مصطفى العقاد لتعلّم فنون صناعة السينما وأبدع فيها وقد أخرج أفلامًا سينمائيَّة تاريخيَّة توثيقيَّة أسهمت في نشر الدِّين الإسلامي في المُجتمعات الأجنبيَّة، وسنكمل قصَّة هذا الداعية في المقال القادم... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.

نجوى عبداللطيف جناحي

كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية

متخصصة في التطوع والوقف الخيري

[email protected]

Najwa.janahi@