في الوقت الَّذي تحاول القوى الدوليَّة التغطية على حجم الفشل الصهيوني عَبْرَ المؤتمرات السياسيَّة والاستعراضات السينمائيَّة والزيارات المكوكيَّة، والمانشيتات الإعلاميَّة والتصريحات الصاروخيَّة، في ذات الوقت كان هناك انتصار يعلن في قِطاع غزَّة بعد مرور (24) شهرًا على أشرس عدوان صهيوني مدعوم دوليًّا في بقعة جغرافيَّة صغيرة مأهولة بالسكان طبقت بصمودها الأسطوري على الأرض المقدسة قوانين سماويَّة أصيلة في إطار الصراع والتدافع بَيْنَ الحقِّ والباطل. فالحمد لله الَّذي صدَق وعده، ونصرَ عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزم الأحزاب وحدَه لا إله إلَّا الله مخلصين له الدِّين ولو كره الظالمون.
نعم، إنَّها آيات النصر تتجسد في غزَّة العزَّة بفضل الله وتأييده القائل في مُحكم آياته: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» (الحج: 39) هكذا انطلقت جحافل الشرف والكرامة يوم السابع من أكتوبر 2023م لتسجل سابقة في تاريخ الصراع مع العدوِّ الصهيوني بأنَّ الكَرَّة هذه المرَّة فلسطينيَّة. قال تعالى «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدَوْر قَوْمٍ مُّؤْمِنِين»َ (14) صدق الله العظيم. ورغم حالة التشويش الممنهجة على تلك الهجمة الشجاعة من قِبل بعض المخالفين الَّذين تجسَّد فيهم قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تكُونُوا كَالَّذينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (آل عمران: 156). إلَّا أنَّ بوارق النصر الفلسطيني لم تكُنْ خافية على أحد، فالخروج في معركة طوفان الأقصى كان بتنفيذ أوامر إلهيَّة وما النصر إلَّا من عِند الله. فالانتصار هنا لا يُقاس بحجم الدمار على الأرض وأعداد الشهداء، بل يتحقق من خلال النتائج الاستراتيجيَّة الَّتي تحققت. فهناك جيل فلسطيني قادم هو جيل التحرير يتشكل اليوم لاستكمال مشروعه العظيم، وهناك بالمقابل هجرة عكسيَّة كرَّست فكرة أنَّ الأرض الفلسطينيَّة ليست أرض الميعاد للصهاينة، بل تنذرهم بالزوال، والهجرات العكسيَّة خير شاهد على ذلك والأزمة الداخليَّة الَّتي يعيشها الكيان لتغيير تلك الصورة النمطيَّة الَّتي تجسَّدت لم يستطع تجاوز تداعياتها، كما أنَّ هناك أزمة خارجيَّة وعزلة دوليَّة لم يسبق لها مثيل وانكشاف عورة السرديَّة الصهيونيَّة أمام الرأي العام العالمي كُلُّ ذلك ولم يستطع العدوُّ إزاحة مطالب المقاومة التفاوضيَّة قَيد أنملة. وعلى الجانب الآخر فشل العدوان في تحقيق أهدافه طوال عامين لحق فيها بالأبرياء من سكان القِطاع مختلف صنوف العذاب والقصف الجوِّي والمدفعي وآلاف الأطنان من الذخائر والمتفجرات، وآلاف المصفحات وأحدث الأسلحة على أولئك الصابرين المحتسبين في غزَّة لكنَّها لم ترخِ عزائمهم، وكان في المقدمة أبطال المقاومة من كتائب القسَّام وسرايا القدس وشهداء الأقصى وألويَّة الناصر صلاح الدين وكتائب أبو علي مصطفى وبقيَّة الفصائل البطلة الَّتي سجلت في الميدان ما يعجز الوصف عنه أمام أعتى قوى الأرض، ولم تأخذ الدنيَّة في دِينها وشرفها رغم ضراوة ووحشيَّة العدوان، ورغم المحاولات المستمرة بإيجاد موقف تفاوضي يخفف من حالة الفشل الصهيوني الذريع، لكن مكْر السياسة عجزت عن انتشاله من فشله الذريع أمام قوى الحق والإيمان.
ما عجز الكيان الصهيوني عن تحقيقه طوال (24) شهرًا من العدوان البربري الهمجي حاول أيضًا الهروب منه بالحديث عن شرق أوسط جديد في دائرة أوسع، بعدما ذاق المرارة في تلك البقعة الجغرافيَّة الصغيرة الَّتي شهدت أولى نبوءات الزوال. فعلى الرغم من رفع العدوِّ شعار «النصر المطلق» وضرورة تحقيق أهداف الحرب، وهي: القضاء على قدرات المقاومة الفلسطينيَّة وبنيتها الأساسيَّة، وإنهاء حُكم حركة حماس، واستعادة الأسرى، وضمان ألَّا تُشكِّلَ غزَّة تهديدًا مستقبليًّا، إلَّا أنَّ كُلَّ تلك الأهداف لم يتحقق منها شيء يُذكر؟! فحاولت مرارًا وتكرارًا عَبْرَ مفاوضات وقف إطلاق النار تحقيق مكاسب معيَّنة، لكنَّها فشلت أمام صلابة المفاوض الفلسطيني. فأولئك القادة أدركوا بإيمانهم العميق ماذا كان يعني طوفان الأقصى؟ ولماذا خرجت تلك الثلَّة المقاتلة بقيادة حركة حماس وبقيَّة فصائل المقاومة الفلسطينيَّة الَّتي التفَّ حَوْلَها أبناء الشَّعب الفلسطيني فسجَّلت الحاضنة الشَّعبيَّة في قِطاع غزَّة بطولات عظيمة، وتحمَّلت الحصار وسياسة التجويع الإجراميَّة والاستهداف المتعمد للمَدنيين الهادفة إلى الضغط على المقاومة، لكن تلك المحاولات الإجراميَّة باءت بالفشل ليتمَّ الإعلان بعد عامين من ذلك الطوفان العظيم عن وقف إطلاق النار وبشروط المقاومة الفلسطينيَّة الَّتي استعادت آلاف الأسرى من سجون الاحتلال، منهم عدد كبير من المؤبدات وأحكام سجن طويلة، وآلاف الأسرى من مختلف القوى الفلسطينيَّة. فلله الحمد من قَبل ومن بَعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، الله أكبر ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين.
خميس بن عبيد القطيطي