وفْقَ المعطيات السابقة لأيِّ اتفاق عقد بَيْنَ الكيان المحتل في ظل حكومة التطرف الَّتي يرأسها الـ(نتنياهو) والمقاومة الفلسطينيَّة، كان الفشل هو النتيجة النهائيَّة لأيِّ اتفاق، لذلك ورغم الاحتفاليَّة الكبيرة الَّتي لاقاها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بمناسبة الاتفاق وعودة الأسرى في الاجتماع الَّذي عقد في الكنيست (الإسرائيلي) فإنَّه ليس هناك ضامن لالتزام حكومة الكيان بالاتفاق، ممَّا يثير المخاوف بسؤال عميق ومهم وهو: هل يلتزم الكيان المحتل وحكومته المتطرفة ببنود اتفاق غزَّة أم لا؟ والإجابة ليست قطعيَّة لأنَّها تعتمد على عدة عوامل سياسيَّة، أمنيَّة، وضغوط داخليَّة ودوليَّة، وإن كان وفْقَ توازن القوى داخل حكومة الـ(نتنياهو)، يبدو أنَّ السيناريو الأقرب هو الفشل التدريجي، أو على الأقل تنفيذ انتقائي للاتفاق، بحيثُ يلتزم الكيان المحتل فقط بما يراه يخدم أهدافه، ويتهرب من باقي البنود، خصوصًا تلك المتعلقة بالانسحاب الكامل أو رفع الحصار. ومن الإنصاف أن نتخيل السيناريوهات المحتملة اما بالفشل او النجاح، خاصة انه استنادًا إلى المواقف السابقة فإنَّ ما يُشير إلى أنَّ حكومة الـ(نتنياهو) قد لا تنفذ كُلَّ بنود الاتفاق بالمماطلة أو التأخير، وهناك تقارير تفيد بأنَّ سياسة التلكؤ في تنفيذ بعض استحقاقات الاتفاق، مثل تأخير الإفراج عن أسرى فلسطينيين إضافيين أو تأخير تنفيذ بنود المساعدات الإنسانيَّة، والقيود السياسيَّة الداخليَّة الَّتي تضم أحزابًا يمينيَّة متشددة قد ترفض التنازلات الأمنيَّة أو الانسحاب من الأراضي الَّتي يحتلها الكيان، أي أنَّ الالتزام الكامل قد يثير اعتراضات داخليَّة قويَّة، إذ إنَّ رئيس وزراء الكيان المحتل قد صرح بأنَّه إذا لم تفِ المقاومة الفلسطينيَّة (حماس) بالتزاماتها فإنَّ الاتفاق سينتهي وسيتم استئناف العمليَّات العسكريَّة، أيضًا فإنَّ حكومة التطرف لن تصادق على الاتفاق حتَّى تُبلّغ أنَّ (حماس) المقاومة الفلسطينيَّة قبلت جميع بنوده، بالإشارة إلى أنَّ بعض بنود الاتفاق مكتوبة بشكل غامض أو تتضمن «بنودًا سريَّة» تسمح بالتلاعب فيما بعد بما يُشير إلى أنَّ هناك فرصة لتنفيذ بعض البنود، وهذا ما يثير احتماليَّة التلاعب في تنفيذ الاتفاق، فيما يأتي سيناريو تنفيذ الاتفاق وتفنيد الأسباب السابقة للفشل هو الضغط الدولي والوساطة الأميركيَّة والمصريَّة للاتفاق والَّذي جاء بوساطة دوليَّة كبيرة، والولايات المتحدة ومصر وقطر تسعى لضمان الالتزام به. ذلك قد يضع ضغطًا على حكومة الـ(نتنياهو) لتحقيق بعض التنفيذ، وهذا ما سعَتْ مصر من خلاله إلى تنظيم مؤتمر دولي دعت إليه العديد من الأطراف الدوليَّة لِتكُونَ شاهدة ومؤيدة لتنفيذ الاتفاق، وهذا قد يدفع إلى تفعيل الاتفاق رسميًّا خصوصًا إذا رأى الكيان المحتل في هذا بعض المكاسب الاستراتيجيَّة الَّتي قد يحققها مثل تحسين موقفه الدولي، تقليل الضغوط على الجبهة العسكريَّة، وضغط على حماس لتحقيق التزاماتها، وهنا قد يكُونُ الأرجح والسيناريو الأكثر احتمالًا بالتنفيذ الجزئي، وليس الكامل، بمعنى أنَّ الكيان المحتل قد يلتزم ببعض البنود الَّتي تخدم مصالحه أو تحت مراقبة دوليَّة، بَيْنَما يحاول تأجيل أو تعديل بنود أخرى، خصوصًا ما يتعلق بالانسحاب الكامل أو التنازلات الأمنيَّة الكبرى، كما أنَّ هناك احتمالًا كبيرًا باستخدام أيِّ إخلال من جانب المقاومة الفلسطينيَّة كذريعة لتعليق أو تعديل الالتزام بها.
إنَّ شواهد نجاح الاتفاق ستتمثل في عودة تدريجيَّة للنازحين الفلسطينيين إلى شمال القِطاع، ودخول مساعدات إنسانيَّة واسعة بإشراف دولي مع البدء في مشاريع إعادة الإعمار، وتفاهم طويل الأمد حَوْلَ ترتيبات ما بعد الحرب، ورُبَّما بحث مستقبل غزَّة سياسيًّا تحت إشراف دولي أو عربي، وذلك لن يتأتى إلَّا بضغط أميركي قوي لتنفيذ الاتفاق، ورغبة المُجتمع الدولي في تجنُّب كارثة إنسانيَّة أكبر، وتعبئة إعلاميَّة ورأي عام عالمي مؤيد لوقف الحرب. إنَّ الأيَّام القادمة حبلى بالإجابة إمَّا الفشل وإمَّا النجاح رغم المعرفة المسبقة بمواقف حكومة الاحتلال.
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن »