الجمعة 17 أكتوبر 2025 م - 24 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

مسعودة العيشي عاشقة بغداد

مسعودة العيشي عاشقة بغداد
الأربعاء - 15 أكتوبر 2025 11:38 ص

عادل سعد

50


•توخَّت مسعودة العيشي في حُبها لبغداد رؤية تحمل مفارقة شاعرة قالت (المسافة بَيْنَ الجزائر والعراق خطأ جغرافي)، كيف، وأي دالة يحمل هذا المضمون؟ الأمر يحتاج إلى تفكيك معادلات روحيَّة مشتركة غاية في العُمق بَيْنَ هذين البلدين الشقيقين.

•لقد عاشت العيشي في العاصمة العراقيَّة أكثر من ربع قرن موظفة مترجمة في دار المأمون الَّتي تعاقب على إدارتها العديد من الوجوه الإعلاميَّة المعروفة بَيْنَهم ناجي الحديثي الَّذي أصبح فيما بعد وزيرًا للخارجيَّة العراقيَّة حتَّى أبريل عام 2003، وقد زرتها في مقر عملها ثلاث مرَّات على الأقل متعارفًا على نتاجها عِندَما كنتُ أعمل ناطقًا باسم وزارة الثقافة والإعلام ضمن المكتب الإعلامي التابع للوزير، ولا يفصل مقر عملي عن مقر عملها سوى مكتبَيْنِ في مبنى الوزارة بالصالحيَّة.

•لقد كانت تربطني علاقة صداقة وطيدة مع أقارب عائلتها العراقيَّة، ومنهم عبد الحسن الغرابي أحد القياديين العمَّاليين المعروفين آنذاك، وزوجته إنصاف السامرائي الَّتي تولَّت مسؤوليَّات متقدمة في اتحاد نقابات العمَّال وحصلت على تقديرات دوليَّة لجهودها المتميزة في الانتصار لحقوق المرأة العاملة.

•خلال عمل مسعودة في الترجمة للفرنسيَّة وعنها ظلت متابعةّ نشطة للمعالم العراقيَّة، شخصيَّاتٍ وصروحًا تراثيَّة وحضاريَّة ومواقفَ، وكانت حصيلة بعض هذا الإنتاج الغزير كتابًا صدر باللغة الفرنسيَّة العام الحالي بعنوان (بغداد حُبي)، كتب مقدِّمته ابنها الطبيب الاختصاصي الدكتور سامي البدري.

•الكِتاب يضم قراءات معلوماتيَّة تحليليَّة سبق أن نشرتها المؤلفة في صحف عراقيَّة تناولت فيها فنانين تشكيليين بَيْنَهم محمد غني حكمت، جواد سليم، رافع الناصري، شاكر حسن آل سعيد، جميل حمودي، راكان دبدوب، فائق حسن، وتابعت سماع موسيقيين كبار في مقدمتهم منير بشير، كما تطرقت إلى قضايا اجتماعيَّة وتاريخيَّة وشخصيَّات وأعراس وأحزان وأعياد. بل وتوقفت عِندَ الطرافة الَّتي لم تغبْ عن فطنة العراقيين رغم المآسي الَّتي تكررت على بغداد حروبًا وحصاراتٍ وتلك مفارقة أذهلت مسعودة مشيرةً إلى عدد من المجلات المختصة بالطرائف ذات الأبعاد التصويبيَّة بعناوين في منتهى الغرابة (كنّاس الشوارع) (حبزبوز) (أبو حمد) وغيرها، وإذا كان حُب مسعودة العيشي لبغداد قد استوقفني بالاندهاش فقد أثار لديَّ ذكرى عشتها في بداية عقد الثمانينيَّات من القرن الماضي حين ضيفنا رئيس بلديَّة اسطنبول ضمن وفد صحفي، وجرى الحديث بَيْنَنا عن قِيَم ومستلزمات الجوار وأخذت الذكريات بِيَدهِ، مشيرًا إلى أنَّ والده كان سائق قطار على سكة الحديديَّة الَّتي تربط العراق بتركيا، وكان يستأنس بمشاهداته عن بغداد مرددًا مثلًا تركيًّا معروفًا (ليس هناك هواء أطيب من هواء بغداد، وليس هناك قلب أحنُّ من قلب الأُم)، ويذكرني وفاء مسعودة برائعة الأخوين الرحباني وصوت فيروز حين زارت بغداد عام 1976 وتألقت فيها وهي تردد بصوتها الملائكي (بغداد والشعراء والصور ذهب الزمان وضوعه العطر)، وحظيت بغداد بتوقف عدد الشعراء عِندَ بشاراتها، منهم المتنبي والجواهري ونزار قباني، ومحمود درويش، وكيف صدحت أُم كلثوم برائعة الشاعر محمود حسن إسماعيل (بغداد يا قلعة الأسودِ).

•اخر المعلومات الَّتي وصلتني عن العيشي أنَّها قعيدة الفراش في مدينتها بوسعادة الَّتي وُلدت فيها، ويقوم على خدمتها زوجها العراقي عادل البدري، وإن بغداد ما زالت تعيش معها في مشاهد متبّلةً بعطر النخيل العراقي الَّذي تقول الروايات الميثولوجيَّة إنَّ بساتينه اختصاص في الحلاوة المتيمة، أمَّا الغريب المضني إزاء ذلك، أنَّ قَدَم (ابن خلدون) لم تحمله إلى بغداد قط رغم أنَّها لم تغبْ عن طروحاته التحليليَّة (عمران المُدن).

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]