الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 م - 21 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : سجل المخاطر الوطنية بنسخته المجتمعية .. استثمار الخبرة العمانية فـي إدارة الأزمات وتعزيز الجاهزية

في العمق : سجل المخاطر الوطنية بنسخته المجتمعية .. استثمار الخبرة العمانية فـي إدارة الأزمات وتعزيز الجاهزية
الثلاثاء - 14 أكتوبر 2025 11:38 ص

د.رجب بن علي العويسي

10


الحديث عن الجاهزيَّة الوطنيَّة في إدارة المخاطر الوطنيَّة يعود بنا إلى الحالة المداريَّة «جونو» الَّتي تعرضت لها سلطنة عُمان في عام 2007م والَّتي كانت بمثابة تحوُّل استراتيجي وطني في إدارة منظومة الطوارئ والحالات الطارئة، وأعطت مساحة أكبر للوقوف على الخبرة العُمانيَّة المتراكمة والمتجددة في إدارة هذا الملف، والتحديثات الَّتي جاءت تباعًا بما استجد من أزمات وجوائح ومخاطر، سواء في إطارها الصحي مثل جائحة كورونا «كوفيد19» أو الأزمة الاقتصاديَّة العالميَّة أو كانت الأزمات البيئيَّة وتعرض سلطنة عُمان لعددٍ من الأعاصير والأنواء المناخيَّة المطيرة أو غيرها من الأزمات.

على أنَّ الحكمة العُمانيَّة في إدارتها وكفاءة السيناريوهات الَّتي تعاملت معها شكَّلت فرصة عمليَّة في تعزيز السياسات الوطنيَّة وتطوير التشريعات النافذة في ذلك، وترسيخ بناء فِقه إدارة الأزمات والتعامل الواعي مع الحالات الطارئة بمستوى عالٍ من التنسيق والتكامليَّة والمنهجيَّة والمهنيَّة والريادة والتنظيم، وفْقَ سيناريوهات عمل واضحة المعالم، تتفرد بمزيدٍ من الكفاءات والصلاحيَّات، والتزام معايير الأداء الناجح في آليَّات العمل، شواهد إثبات على كفاءة ومهنيَّة الجاهزيَّة العُمانيَّة في منظومة إدارة الأزمات، وما أفصح عنه هذا التكامل الوطني من سيناريوهات عمل عزَّزت من سرعة الاستجابة وفوريَّة الرصد، وتعزيز القِيمة المضافة للبيانات والمعلومات، وبناء منظومة تفاعليَّة من مختلف القِطاعات قائمة على كفاءة الأداء، والتقليل من المخاطر، في ظل تجهيزات مسبقة وتخطيط مستمر، وتوفير أدوات المتابعة والرصد والتقييم القادرة على استثمار الفرص، علامة فارقة في تفوُّق منظومة إدارة الحالات الوطنيَّة في القيام بمهامها، ومحطَّات لقراءة العمل بصورة جديدة وآليَّات متجددة تتَّجه نَحْوَ الابتكاريَّة والريادة في تكوين بدائل جديدة للمعالجة، في ظلِّ تقييم مستمر للإمكانات وتحليل دقيق للموارد وتقييم للبيئة الداخليَّة والخارجيَّة، ومصادر القوَّة والتهديدات والتحدِّيات المرتبطة بمفهوم الكفاءة في إدارة المخاطر والأزمات الوطنيَّة.

وبالتالي الأبعاد الاستراتيجيَّة الَّتي شكَّلت مسار هذا التكامل الوطني عَبْرَ توحيد وتوجيه الجهود تحت مرجعيَّة عمل واحدة، بما أكسبها قوَّة في اتخاذ القرار والتعامل مع متطلبات الحالة، وفْقَ إطار مؤسَّسي ضمن توافر عناصر الإدارة والشراكة والاستجابة السريعة والتنسيق المنظّم والتخطيط الاستراتيجي والرصد الدقيق للبيانات، وتوفير برامج التوعيَّة كمنطلقات لإدارة خطط منظومة المخاطر؛ فإنَّ الوقوف على ملامح العمل الوطني في إدارة منظومة المخاطر الوطنيَّة، يبرز وجود مؤشرات إيجابيَّة وممارسات رياديَّة تستدعي تأطيرها والاهتمام بإبرازها للأجيال القادمة في ظل تشريعات مَرِنة، وأُسُس دقيقة وآليَّات عمل محددة، وأنظمة تقيين ومتابعة ورصد تتسم بالكفاءة والشراكة المُجتمعيَّة والتنسيق المستمر مع مختلف القِطاعات الوطنيَّة ذات الصلة في سبيل تكوين مسار وطني واضح يضمن لهذه الأُطر الفاعليَّة وتحقيق الأهداف؛ والَّتي جاءت خلاصة جهود متواصلة وتجارب واقعيَّة أفصحت عنها استراتيجيَّات التعامل مع منظومة المخاطر الوطنيَّة، واكتسبت خلالها سلطنة عُمان تحصينات دفاعيَّة أكبر، وتفعيل خطوط التأثير الوطنيَّة وتطويرها بما يتناسب مع طبيعة هذه المخاطر، ويُحقق مبدأ الاستباقيَّة والجاهزيَّة الوطنيَّة، لتصنع من مسارات عملها نموذجًا إقليميًّا في إدارة الأزمات، واستطاعت من خلال فرادتها وجدارتها أن تبني هُوِيَّة وطنيَّة في إدارة الأزمات والتعامل مع هذه المخاطر وفْقَ مبدأ الحكمة والتوازنات وإدارة الشؤون الداخليَّة بروح المسؤوليَّة وبناء ثقة المواطن في الجهد الحكومي والمؤسَّسي وإحساسه بمسؤوليَّاته، فتعاملت مع كُلِّ الأحداث الَّتي مرَّت بها سلطنة عُمان وفْقَ مسارات تخطيطيَّة وتنظيميَّة وتنسيقيَّة وضبط كُلِّ المتغيرات والمؤثرات الداخليَّة والخارجيَّة الَّتي قد تسهم في زيادة تأثير الحالة على حياة المواطن والمُقِيم ليتحقق الناتج في صفريَّة الخسائر في الأرواح وتعظيم فرص الاستجابة الميدانيَّة الآمنة.

على أنَّ اللحمة الوطنيَّة الَّتي عكسها التفاعل المُجتمعي مع منظومة المخاطر الوطنيَّة بمختلف أنواعها وطبيعتها وظروفها الاقتصاديَّة والصحيَّة والبيئيَّة والتعليميَّة والاجتماعيَّة وغيرها، والإطار الدفاعي والوقائي الَّذي التزمته في التعامل مع الممارسات غير المنضبطة والإشاعات عَبْرَ تأكيد وضوح لُغة الخطاب الإعلامي ومصدر المعلومة في التعامل مع هذه المخاطر بأُسلوب تعلوه حكمة الإدارة وسياسة الضبط وتعميق المسؤوليَّة وترسيخ ثقافة إدارة المخاطر؛ باعتباره سلوك مواطن قَبل أن يكُونَ توافر إمكانات وتجهيزات في التعامل مع حالات الإنقاذ والإسعاف أو غيرها، بالإضافة إلى بروز دَوْر واضح للإعلام العُماني بكُلِّ منصَّاته وللكوادر الإعلاميَّة العُمانيَّة والمراسلين الإعلاميين وموفدي الإذاعة والتلفزيون بكُلِّ المواقع في نقلهم للصورة الفعليَّة، ناهيك عمَّا قدَّمه الإعلام الأمني عَبْرَ توظيف الوسائط والقنوات الإعلاميَّة الإلكترونيَّة ومنصَّات التواصل الاجتماعي في إطار متوازن عزَّز من مساحات الأمان النفسي والتفاعل الإيجابي، وصناعة الأثر، وتوجيه مسارات اهتمام المواطن والمُقِيم إلى البحث عن المعلومات من مصادرها الرسميَّة.

ستظل هذه المواقف محطَّات قوَّة تعكس نضج التجربة العُمانيَّة وريادتها في إدارة الأزمات، وخبرة وطنيَّة في التعامل مع المخاطر، تستحق الوقوف على مقوِّمات نجاحها واستلهام الجوانب النوعيَّة غير المنظورة في تطورها، وهي تجربة تشهد نضجًا نوعيًّا في بنيتها وبرامجها وفلسفة عملها وكفاءة القائمين عليها، ومع كُلِّ هذا التفاعل الَّذي نلمسُه في تعامل المواطن والمُقِيم مع التعليمات الصادرة من جهات الاختصاص سيظل الوعي هو الرهان الأكبر الَّذي تَدُوْر حَوْلَه شواهد إدارة المخاطر والأزمات الوطنيَّة، واستيعاب حجم الدَّوْر الَّذي يقوم به الجميع في التعامل معها. في استثمار حقيقي لمتلازمة نضوج الخبرة والتجربة ووعي المواطن وجهوزيَّته النفسيَّة والفكريَّة والخبراتيَّة.

وعلى الرغم من التحدِّيات المرتبطة بالأزمات والحالات الطارئة إلَّا أنَّ ما شهده مُجتمع سلطنة عُمان في كُلِّ مراحل هذه الأزمات والمخاطر من صور التلاحم والتعاضد والتعاون والتكامل بَيْنَ أبناء المُجتمع العُماني وشرائحه المختلفة، والتزامهم بالتعليمات الصادرة من الجهات المختصَّة، شكَّلت بِدَوْرها مكاسب اجتماعيَّة وثقافيَّة ارتبطت بتعظيم القِيمة المضافة للعادات والتقاليد والقِيَم والخصوصيَّة والهُوِيَّة العُمانيَّة وجسَّدت السَّمت العُماني في أبهى صوره وأدق تفاصيل، عزَّزها وعي المواطن والتزامه بالمبادئ والأُسُس وإجراءات العمل النافذة، محطَّة لإعادة التقاط الأنفاس وتقييم الممارسات الاجتماعيَّة لضمان إنتاج التشريعات المحفزة للممارسة عالية الجودة، وحوكمة الأُطر وتقنينها وإعادة هيكلتها لتعزيز حضورها في الذاكرة الجمعيَّة المُجتمعيَّة واسترجاعها في الظروف المشابهة، وما أسهمت به هذه المواقف من دَوْر محوري في التعبئة للقِيَم الوطنيَّة، عززت من فِقه إدارة الأزمات وأصَّلت لأخلاق المواطن وبناء مواطنة الأزمات.

وتعزيزًا لهذا التوجُّه الوطني، واستحقاقًا لِمَا تمَّ إنجازه في الفترات الماضية، وتأكيدًا للقِيمة المضافة الناتجة من تكامليَّة البنى المؤسَّسيَّة والتشريعيَّة والتنظيميَّة والمُجتمعيَّة في منظومة إدارة المخاطر الوطنيَّة والتحوُّلات والتطوُّرات الَّتي حصلت لها، يأتي الدليل التوجيهي للمشاركين في الحملة الإعلاميَّة لإطلاق نسخة المُجتمع من سجل المخاطر الوطنيَّة، ليُمثِّلَ حلقة جديدة في مسار التمكين المُجتمعي، عَبْرَ توحيد الخطاب الإعلامي وتقديم رسائل متسقة تعكس جهود سلطنة عُمان في إدارة المخاطر والأزمات، وتمكين المُجتمع من فهمها والمشاركة الفاعلة في التخفيف من آثارها. حيثُ يتضمن الدليل إجراءات عمل موجهة للمتحدثين والإعلاميين، تشمل الالتزام بالسرديَّة العامَّة، واستخدام رسائل موحَّدة تبرز أهداف نسخة المُجتمع من سجل المخاطر الوطنيَّة كأداة توعويَّة مبسطة. ويسعى هذا الجهد إلى تحقيق نتائج ملموسة تتمثل في رفع وعي الأفراد بالمخاطر المحتملة، وتمكينهم من بناء سيناريوهات واقعيَّة لإدارة الأزمات، وتعزيز الثقة بَيْنَ المواطن والحكومة، بما يسهم في ترسيخ شراكة وطنيَّة فعَّالة لحماية الأرواح والممتلكات وضمان استمراريَّة الخدمات الحيويَّة، إدراكًا من سلطنة عُمان بأهميَّة بناء مُجتمع واعٍ ومشارك في إدارة المخاطر، وتعزيز ثقافة الاستعداد والمرونة على المستويين الفردي والمُجتمعي في عدد من المجالات الحيويَّة الَّتي تمسُّ حياة الأفراد واستقرار المُجتمع، من أبرزها المجال الصحي، بما في ذلك الأوبئة البشريَّة والحيوانيَّة والتلوُّث الغذائي، والمجال البيئي والطبيعي بما يُمثِّله من أعاصير وفيضانات وزلازل وأمواج مد بحري، ومجال الخدمات الأساسيَّة مثل المياه والكهرباء والاتصالات والإنترنت، والمجال الصناعي والتقني الناتج عن احتماليَّة حدوث تسربات كيميائيَّة أو نفطيَّة أو تلوُّث إشعاعي، ومجال النقل والمواصلات الناتج عن ازدياد النشاط السياحي وحوادث النقل الجوي والبحري والبَري، والجانب الاقتصادي المرتبط بالأزمات الماليَّة أو انقِطاعات سلاسل الإمداد، بالإضافة إلى المجال الاجتماعي والإعلامي التوعوي إطارًا رئيسًا لهذه المنظومة، من خلال تعزيز الوعي العام، وتكريس ثقافة التأمين، وتمكين المُجتمع من المشاركة الفاعلة في رصد المخاطر والاستجابة لها، بما يُعزِّز من قدرة سلطنة عُمان على التصدي للتحدِّيات وضمان استدامة الحياة والخدمات في مختلف الظروف.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]