الأحد 19 أكتوبر 2025 م - 26 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

فن الدبلوماسية.. بروتوكول وإتيكيت مراسم توقيع مذكرات التفاهم والاتفاقيات

فن الدبلوماسية.. بروتوكول وإتيكيت مراسم توقيع مذكرات التفاهم والاتفاقيات
الثلاثاء - 14 أكتوبر 2025 11:30 ص

د. سعدون بن حسين الحمداني

90

يتردد على مسامعنا كثيرًا في وسائل الإعلام المختلفة (المقروءة أو المرئيَّة) مصطلح توقيع مذكّرات تفاهم وتوقيع اتفاقيَّات بَيْنَ الوفود الرسميَّة بمختلف درجات الوفود، سواء عسكريَّة أو مدنيَّة سواء في زيارة دولة أو زيارة رسميَّة أو أخرى. والقارئ المتواضع دائمًا يسأل ويتساءل عن الفوارق والفروقات بذلك؟ وهل قوَّة مذكّرة التفاهم بنفْس قوَّة الاتفاقيَّة أو بالعكس.. وغيرها من الأسئلة المبهمة الَّتي يحتاج إلى توضيح قانوني قَبل التوضيح الدبلوماسي أو السياسي لهما؟ وما الدَّرجات والسلَّم الإداري الدبلوماسي للوصول إلى مذكّرات التفاهم أو الاتفاقيَّات؟ وكما تطرقت سابقًا إلى أنَّ بروتوكول وإتيكيت الاتفاقيَّات يمرُّ بعدَّة مراحل للوصول إليها وأهمُّ هذه المراحل هي: القناعة بها، بالإضافة إلى المراحل الَّتي تم التطرق إليها، وهي: (فن الاستماع، فن الإنصات، فن المناقشة، فن المفاوضات.. وأخيرًا التوقيع) والاثنان (الاتفاقيَّة والتفاهم) يستندان إلى قاعدة قانونيَّة متفق عليها الطرفان، وقَبل القاعدة القانونيَّة ألا وهي القناعة وعِلم المنطق السياسي والتاريخي بَيْنَ الطرفين.

الاتفاقيَّة تُعَدُّ هرم الموافقات بَيْنَ الطرفين، والموافقات ليست تسند إلى القاعدة القانونيَّة فقط، وإنَّما إلى المشاعر والأحاسيس الصادقة وتبادل المصالح المشترك بَيْنَها بعيدًا عن المراوغة والخداع واستغلال الطرف الآخر لسببٍ ما.

في البداية دعونا نتعرف على الفروقات ومفاهيم الاتفاقيَّات ومذكّرات التفاهم، حيثُ تعرَّف الاتفاقيَّة بأنَّها وثيقة قانونيَّة مثبتة ورسميَّة بَيْنَ الطرفين، وهناك جدول زمني للتطبيق، بالإضافة إلى عواقب سلبيَّة لِمَن ينسحب أو يتباطأ أو يخلُّ بأحد البنود؛ وبالتَّالي تكُونُ الاتفاقيَّة وثيقة رسميَّة يُدان بها الطرف الَّذي أخلَّ بالتطبيق.. وتحلّ الخلافات بالطُّرق السلميَّة أو اللجوء إلى المحاكم استنادًا إلى شروط الاتفاقيَّة بجميع مفرداتها. وهناك اتفاقيَّات دوليَّة تثبت نسخة منها عِندَ منظَّمة الأُمم المتحدة لأهميَّتها كالحدود بَيْنَ البلدين.. وغيرها من المعاهدات الدوليَّة الاقتصاديَّة لا مجال لذِكرها بهذا المقال المتواضع عكس مذكّرة التفاهم، حيثُ لا توجد بنود إلزاميَّة في التطبيق، وأنا شخصيًّا أعدُّ الاتفاقيَّة مثل: خريج الجامعة الَّذي اجتاز مرحلة الابتدائيَّة والمتوسطة والثانويَّة لِيصلَ إلى المراحل النهائيَّة الأكاديميَّة. أمَّا مذكّرة التفاهم فهي خريطة الطريق للوصول إلى الاتفاق حَوْلَ بنود الاتفاقيَّة النهائيَّة، وهي أضعها بَيْنَ مرحلة (فن الاستماع وفن الإنصات) ليصلوا إلى مرحلة النقاش ووضع بنود الاتفاقيَّة. لذلك مذكّرات التفاهم غير ملزمة قانونيًّا على الطرفين، بالإضافة إلى أنَّه ليس هناك جدول زمني مُلزِم أيضًا على الطرفين، وإنَّما هي رغبة الطرفين في السَّير والاتفاق على أحَد المجالات مثال ذلك: (تبادل الأكاديمي والخبرات وبداية العلاقات الدبلوماسيَّة)، وكذلك مع الشركات الكبرى، سواء النفطيَّة أو الاقتصاديَّة الأخرى. ومذكّرة التفاهم هي عامَّة وتمهيديَّة عكس الاتفاقيَّة، فهي مُلزِمة قانونيًّا ودقيقة وتفصيليَّة البنود. إنَّ مراسم توقيع الاتفاقيَّات ومذكّرات التفاهم بمختلف الأنواع هي تقريبًا واحدة، وهناك بعض الاختلافات البسيطة استنادًا إلى قوَّة وأهميَّة الاتفاقيَّة أو المذكّرة. ولكن يؤسفنا جدًّا أن نرى بعضًا من المسؤولين، سواء في القِطاع الحكومي أو القِطاع الخاص معلوماتهم تكاد تكُونُ شحيحة بخصوص بروتوكول توقيع الاتفاقيَّات، وهذا الخلل يقع على مسؤوليَّة موظفي العلاقات العامَّة، وكذلك موظفو الاختصاص الَّذين يشرفون على مراسم التوقيع من حيثُ توفير جميع الأدوات المطلوبة لذلك، حيثُ نشاهد بالصحف المقروءة ووسائل الإعلام المرئيَّة بأنَّهم يرفعون ملف الاتفاقيَّة ويأخذون صورة تذكاريَّة كأنَّها شهادة ثانويَّة عامَّة أو شهادة جامعيَّة؛ لأنَّ الوزير يُمثِّل مستوًى عاليًا في الدولة، وعليه أن يكُونَ بأعلى درجات الدقَّة في تنفيذ وليس رفع وثيقة أو ملف الاتفاقيَّة وهو يبتسم كأنَّه في حديقة أو متنزَّه مع أصدقائه، لذلك على كافَّة الأشخاص الَّذين يوقِّعون الاتفاقيَّات وغيرها أن يكتفوا بالمصافحة بعد أن يضعوا الاتفاقيَّة على الطاولة؛ لأنَّهم يُمثِّلون هرم الدولة سواء (سُلطان، ملك، أمير أو رئيس جمهوريَّة.. وغيرها من المناصب الرسميَّة والخاصَّة)، وكذلك من المخجل أن نرى أشخاصًا يقفون خلف مراسم التوقيع وكأنَّهم فريق كُرة قَدَم أو فريق رياضي محقِّق نتائج والكُلُّ يرغب في التقاط صورة تذكاريَّة وهدفهم أن يظهروا بالصورة وليس المهمّ تفاصيل الاتفاقيَّة. وفي الختام، علينا توفير كافَّة مستلزمات التوقيع، سواء على مستوى لُغة الجسد أو إتيكيت وبروتوكول استقبال الضيف، نوع الطاولة، نوع وعدد وشكل الزهور، نوعيَّة الحضور من الوكالات الإعلاميَّة، التوقيت المناسب لتوقيع الاتفاقيَّة، الأشخاص والزيّ الخارجي، إتيكيت تبادل ملفات الاتفاقيَّة، كلمات المجاملة وإدارة الحديث، عدم الإفشاء ببنود الاتفاقيَّة بصورة تفصيليَّة، وعدم رفع وثيقة أو ملف الاتفاقيَّة بعد التوقيع؛ لأنَّ الأطراف الموقِّعة لهم مكانتهم الرسميَّة العالية في المُجتمع.

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت