الاثنين 13 أكتوبر 2025 م - 20 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

متى تصحو الحافلات الذكية قبل فوات الأوان؟!

متى تصحو الحافلات الذكية قبل فوات الأوان؟!
السبت - 11 أكتوبر 2025 12:35 م

المنتصر بن زهران الرقيشي

150


في ظلِّ التَّوَجُّه العالَمي السَّريع نَحْوَ التَّحوُّل الرَّقمي والمُدُن الذكيَّة وإدارة المؤسَّسات بخوارزميَّات الذَّكاء الاصطناعي ومراقبة الشَّوارع بالكاميرات الذكيَّة، يُمكِن في إطار هذا التَّوَجُّه توظيف هذا التَّحوُّل في عمليَّات النَّقل، وخصوصًا حافلات نقلِ طلبة المدارس؛ بحيثُ يُمكِن عَبْرَها التَّغلُّب على غياب مُقوِّمات الأمان في الحافلات التقليديَّة، وبالتَّالي تقليل حوادثها، بالإضافة إلى التَّغلُّب على تحدِّيات غياب أو ضعف التَّكييف أو أنظمة الإنذار الداخليَّة.

هذا المدخل لا يتعلق بِلَوْم جهةٍ أو تحميل الأعباء والمسؤوليَّات، وإنَّما الدَّعوة إلى إعادة التَّفكير والحثِّ على التَّغيير الإيجابي في المنظومة بأكملها. فبنظرة بسيطة إلى أنظمة المرور، والمطارات، والموانئ، والمَرافق العامَّة نجد جُلَّها تُدار ببرامج الذَّكاء الاصطناعي دُونَ إهمال القرار البَشَري. وعليه، من الطَّبيعي أن تشملَ هذه الموجة التطويريَّة أيضًا قِطاع النَّقل المدرسي الَّذي يخصُّ أبناءنا وفلذات الأكباد؛ ذلك أنَّ أنظمة الاستشعار الذكيَّة والحسَّاسات الداخليَّة وأجهزة التتبُّع أنظمة حماية لا يُمكِن أبدًا التغاضي عنها في مثل هذه البيئة، ويُمكِن لتقنيَّات السُّوق الحاليَّة والمبتكرة أن تُحدثَ نقلةً نوعيَّة في هذا القِطاع الحيوي.

وعليه، يُمكِن أن تُزوَّدَ كُلُّ حافلة مدرسيَّة بنظامٍ ذكيٍّ يغلق الأبواب تلقائيًّا بعد مسحٍ حراري أو حسِّي للتَّأكُّد من خلوِّها من الركَّاب، ويُرسل إشعاراتٍ فوريَّة إلى المدرسة ووليّ الأمر وسائق الحافلة في حال رصد أيِّ بقاءٍ غير طبيعي لأحَد الأطفال داخلها. وهناك دول حَوْلَ العالم بدأت تستخدم هذه الأنظمة فعليًّا في مدارسها؛ كونها معيارًا أساسًا للسَّلامة ولبيئة تحتوي أطفالًا ما دون العاشرة، كما يُمكِن تطوير منصَّة وطنيَّة موحَّدة للنَّقل المدرسي الذَّكي تُربط بها جميع الحافلات عَبْرَ نظام تتبُّع يُدار مركزيًّا بمعايير الأمن السيبراني الحديثة، وهو ما ينسجم تمامًا مع محاور رؤية «عُمان 2040» الَّتي جعلت الإنسان محور التَّنمية، وأكَّدت أنَّ التَّحوُّل الرَّقمي وسيلة لتحسين جودة الحياة وضمان سلامة المواطن والمقيم.

ومع التقدير للجهود المبذولة من قِبل الجهات المختصَّة ـ وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم ووزارة النقل والاتصالات وتقنيَّة المعلومات ـ في تعزيز معايير السَّلامة، فإنَّ وتيرة التطوُّر التِّقني تفرض علينا أن نُحدِّثَ أدواتنا باستمرار، وأن نراجع سياساتنا، وأن نُعزِّز عنصر الوقاية. فالمواطن اليوم لا يقيس جودة التعليم بعدد السبورات الذكيَّة أو التطبيقات التفاعليَّة، بل بمدى الطمأنينة الَّتي يشعر بها وهو يودِّع طفله صباحًا، حاملًا معه أُمنيات النجاح.

ومن الممكن كذلك ـ في حال لم تسعفنا الإمكانات والظروف للتحوُّل السَّريع إلى توظيف التقدُّم التِّقني في مجال النَّقل ـ التَّفكير في تعيين مُشرفين ومُشرفات للحافلات المدرسيَّة، وهي وظيفة إنسانيَّة نبيلة يُمكِن أن تفتحَ فرصًا جديدة للمتقاعدين أو الباحثين عن عمل، فوجود شخصٍ مسؤول يُرافق الأطفال ويُشرف على عمليَّة الصعود والنزول يَجِبُ أن يُنظرَ إليه في كونه استثمارًا في سلامة الأرواح وطمأنينة الأُسر، وهو لا يُرهق بالتكلفة الماديَّة إذا ما وضعت تحت ميزان المقارنة، كما أنَّه عنصرٌ بَشَري مُعِين لسائق الحافلة الَّذي لا نعلم ماهيَّة الظروف والمشاكل والقضايا الَّتي يمرُّ بها أثناء أداء واجبه، فمثله مثل أيِّ موظَّف مُعرَّضٌ لارتكاب أخطاء، ولكن حينما يمرُّ العمل على أكثر من قناة، فإنَّ نسبة الخطأ تكُونُ أقلَّ، وهنا يأتي دَوْر مُشرف الحافلة.

ومن باب المسؤوليَّة الإعلاميَّة، ارتأيت الحديث عن هذا الأمر بما يتَّفق مع الشَّراكة الوطنيَّة في البناء؛ فإبداء الآراء والأفكار هو جزء من مسؤوليَّة المُجتمع المَدني في دعم صانع القرار وتغذية السِّياسات العامَّة بالمقترحات الواقعيَّة، فأيُّ طفل أو طفلة نامَ في حافلة ولم يستيقظ، ترك لنا جميعًا رسالةً بليغة مفادها أنَّ التَّحوُّل الرَّقمي الحقيقي يبدأ من حماية الإنسان قَبل التقنيَّة.

المنتصر بن زهران الرقيشي

كاتب عُماني ـ الاتصالات الدوليَّة والعلوم السياســـــيَّة

مدرب متعاون في تنميَّة مهارات المدربَيْنَ (TOT)

mumtaserzr@