بصُدور المرسومين الساميين بإنشاء منطقة اقتصاديَّة خاصة في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، وأخرى في نيابة الروضة بولاية محضة بمحافظة البريمي، يتضح للمتابع للمشهد الاقتصادي ما تحظى به سلطنة عُمان من تحوُّل نوعي في خريطتها الاقتصاديَّة. فهو تحوُّل يدفع بكُلِّ ما تحقَّق من نجاحات في مشروعات مماثلة إلى الأمام بما يضمن الاستدامة والاستمراريَّة، ويقود إلى تحقيق المزيد من التكامليَّة بَيْنَ المشروعات الاقتصاديَّة بمختلف القِطاعات. وفيما يعكس صدور هذين المرسومين الساميين بإنشاء منطقتين اقتصاديتين جديدتين، نجاحات التجربة العُمانيَّة الرائدة بمجال المناطق الاقتصاديَّة الخاصة، فهو أيضًا يتيح الفرصة للمراقبين الاقتصاديين أن يسلطوا الأضواء أكثر على ما يُمكِن أن تحققه المناطق الاقتصاديَّة من طفرات تنمويَّة في البنى الأساسيَّة الَّتي تسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الداخليَّة والأجنبيَّة لتلك المناطق المتخصصة. وفي هذا السياق يذكر أنَّ المنطقة الاقتصاديَّة الخاصة بالدقم، الَّتي أصبحت نموذجًا يحتذى به في استقطاب الاستثمارات وتعزيز التَّنمية المتوازنة بَيْنَ المحافظات، قد استطاعت خلال السنوات الماضية أن تتحول من مشروع واعد إلى محور استراتيجي ضمن رؤية «عُمان 2040»، وذلك بفضل بنيتها الأساسيَّة المتقدمة وموقعها الجغرافي الَّذي جعلها إحدى البوَّابات الرئيسة للتجارة الدوليَّة والاستثمار الصناعي واللوجستي. إنَّ نجاحات اقتصاديَّة الدقم لم تتوقف عند الأرقام الَّتي تشير وفق الإصدار»37» للنشرة الدَّوْريَّة للمنطقة الاقتصاديَّة بالدقم بأنَّ الاستثمار بالمنطقة الاقتصاديَّة الخاصة بالدقم تجاوز ستة مليارات ريال عُماني بنهاية 2024، بل تعدى ذلك نَحْوَ بناء منظومة متكاملة من التشريعات والحوافز، الَّتي أرست بيئة أعمال جاذبة تتماشى مع المعايير العالميَّة في الشفافيَّة والاستدامة. لقد أسهمت تكامليَّة جهود تجهيز البنية الأساسيَّة ومنظومة الحوافز في استقطاب منطقة الدقم لمشاريع استراتيجيَّة كبرى مثل مصفاة الدقم والحوض الجاف ومجمَّع الصناعات البتروكيماويَّة ومشاريع الحديد الأخضر وتصنيع الحافلات، وغيرها من المشروعات الكبرى والمتوسطة والصغرى. كما شهدت تطويرًا متسارعًا للبنية الأساسيَّة في الميناء والطرق وشبكات الخدمات، ممَّا عزَّز من تنافسيَّتها ومن التنويع الاستثماري لِيشملَ قِطاعات السياحة والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، لِتصبحَ الدقم منصَّة واعدة للنُّمو الصناعي والتَّنمية المستدامة بسلطنة عُمان. وبهذه النجاحات الَّتي حققتها اقتصاديَّة الدقم ضمن النجاحات المتنوعة للهيئة العامَّة للمناطق الاقتصاديَّة الخاصة والمناطق الحُرة بسلطنة عُمان، تكُونُ اقتصاديَّة الدقم قد حظيت بتتويج لنجاحاتها وجذبت إليها المزيد من الأنظار كنموذج يحتذى به من نماذج التجارب الاقتصاديَّة الناجحة والرائدة، فضلًا عن أنَّ الهيئة العامَّة للمناطق الاقتصاديَّة الخاصة والمناطق الحُرة ستتولى تعيين مَن يقوم بإدارة وتشغيل تطوير المنطقتين الاقتصاديتين الجديدتين، في حين أنَّ المنطقتين ستستفيدان من المزايا الَّتي أتاحها قانون المناطق الاقتصاديَّة الخاصة والمناطق الحُرة الَّذي يمنح إعفاءات ضريبيَّة وتسهيلات إجرائيَّة محفِّزة. ووفْقَ محلِّلين اقتصاديين، فإنَّ إنشاء منطقة اقتصاديَّة خاصة في عبري يُعزِّز عمليَّات الربط الحدودي مع المملكة العربيَّة السعوديَّة عَبْرَ منفذ الربع الخالي مما يفتح آفاقًا جديدة للتجارة البَيْنيَّة الخليجيَّة، بَيْنَما سيُشكِّل إنشاء منطقة خاصة في نيابة الروضة بمحضة منصَّة لوجستيَّة نشطة لقربها من الحدود العُمانيَّة الإماراتيَّة وموانئ التصدير الكبرى كميناءي صحار وجبل علي. تُمثِّل هذه الخطوة تحوُّلًا استراتيجيًّا في توزيع النشاط الاقتصادي بمختلف مناحي سلطنة عُمان، بما يضمن انتشارًا أوسع لعمليَّات التَّنمية وخلق فرص عمل نوعيَّة للمواطنين. كما تعكس هذه الخطوات أيضًا الرؤية العُمانيَّة الطموحة نَحْوَ تنويع الاقتصاد الوطني، وتقليل الاعتماد على النفط عَبْرَ تنمية قِطاعات الصناعة والخدمات اللوجستيَّة والسياحة والطاقة النظيفة. لقد أسهم نجاح تجربة الدقم في ترسيخ الثقة في قدرة السلطنة على بناء مناطق اقتصاديَّة قادرة على المنافسة إقليميًّا، وجعل من التجربة نموذجًا تتكرر ملامحه اليوم في عبري والروضة، لِتواصلَ عُمان طريقها بثبات نَحْوَ اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة.
طارق أشقر
من أسرة تحرير «الوطن »