شهر أكتوبر شهد العديد من الأحداث التاريخيَّة المهمَّة على مر العصور، في مختلف المجالات العسكريَّة والسياسيَّة والعلميَّة والثقافيَّة، منها في المقام الأول الَّذي يخصنا كعرب ومسلِمِين حرب أكتوبر (العاشر من رمضان) العام 1973 حيثُ انتصرت الجيوش العربيَّة بقيادة مصر في هجومها على العدوِّ الصهيوني في يوم الغفران (يوم كيبو)، في الـ(7) من أكتوبر عام 2023 يأتي طوفان الأقصى ليكشف السرديَّة الحقيقيَّة لجرائم الاحتلال، أما تاريخيًّا فحدث في الـ(19) من أكتوبر العام 1781 إعلان استقلال الولايات المتحدة، حين استسلمت القوَّات البريطانيَّة بقيادة الجنرال «كورنواليس» للقوَّات الأميركيَّة والفرنسيَّة في معركة يوركتاون، مما أنهى فعليًّا حرب الاستقلال الأميركيَّة، ومن العلامات البارزة في هذا الشهر ودليل على قفول الحقبة الشيوعيَّة تمت الوحدة بَيْنَ ألمانيا الشرقيَّة والغربيَّة في الـ(3) من أكتوبر العام 1990.. علميًّا أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي في العالم (سبوتنيك1) في الـ(3) من أكتوبر العام 1957، مما يعني بدأ عصر الفضاء، وشهد هذا الشهر العديد من الإنجازات الأخرى.
شهر أكتوبر يحمل رمزيَّة خاصة في التاريخ العربي، خصوصًا في الصراع العربي مع الكيان الصهيوني المحتل، ففي هذا الشهر شنَّت القوَّات المصريَّة والسوريَّة هجومًا مباغتًا على القوَّات «الإسرائيليَّة» في سيناء والجولان، في يوم عيد الغفران اليهودي (يوم كيبو) مما أدى إلى انتصارات عظيمة نتائجها عبور الجيش المصري قناة السويس وتحطيم خط بارليف، فكانت الحرب نقطة تحوُّل في الصراع أعادت للعرب الثقة بالنفس بعد نكسة 1967، ثم مهَّدت لاحقًا إلى اتفاقيَّة كامب ديفيد للسلام (1979) بَيْنَ مصر والكيان المحتل. وشهدت هذه الحرب بطولات خالدة، ومواقف بطوليَّة أسطوريَّة، سُطرت بدماء جنود وضباط الجيش المصري، وأصبحت مصدر فخر واعتزاز للأُمَّة كُلِّها، والأمثلة البطوليَّة عديدة منها (المجند محمد المصري) قنَّاص الدبابات الأسطوري الَّذي دمَّر (27) دبابة لجيش العدوِّ خلال أيَّام معدودة باستخدام قاذف (RPG)، وحاز على وسام الشجاعة العسكريَّة،) الضابط إبراهيم عبدالتواب) الملقب بـ(أسد السويس) الَّذي قاد كتيبته للسيطرة على موقع استراتيجي، واستبسل في الدفاع عنه أمام هجمات متتالية فقاتل حتَّى نفاد ذخيرته ولم ينسحب، واستشهد على الأرض الَّتي حررها فكان مثالًا في القيادة من الخطوط الأماميَّة، وكثيرة هي الأمثلة البطوليَّة الخالدة للقادة والجنود الَّتي لا تتسع المساحة لذكرها بفضل تعدُّد أبطالها، الَّتي أسفرت عن النصر وعبور خط بارليف الَّذي لقّب بأقوى تحصين عسكري في العالم وقتها، وعبور القناة خلال ساعات، وإنشاء كباري ثقيلة لعبور الدبابات والمدرعات هذا العمل الهندسي الَّذي كان صاعقة عسكريَّة غير متوقعة للعدوِّ الصهيوني، سلاح الدفاع الجوي الَّذي نجح في إسقاط أكثر من (100) طائرة للعدوِّ في الأيام الأولى من الحرب باستخدام شبكة صواريخ سام وأنظمة رادار متطورة، فرضت «مظلة نيران» فوق قناة السويس، وأمّنت العبور من الهجمات الجويَّة، حتَّى طلب العدوُّ الصهيوني وقف إطلاق النار بسرعة بسبب الخسائر الكبيرة، وكان ذلك بتدخل أميركي مباشر.
إنَّ شهر أكتوبر لم يَعُدْ مجرَّد شهر في التقويم، بل أصبح رمزًا للمقاومة والمفاجآت والانتصارات رغم اختلاف السياقات السياسيَّة والعسكريَّة. فكما كان النصر في السادس من أكتوبر تاجًا على رؤوس الأشهاد لما وحد كلمة العرب وراء القرار المصري بتحرير الأرض وتحقيق النصر بعزيمة الرجال، وعلامة بارزة في الوعي الجمعي العربي، كان هناك يوم آخر في هذا الشهر لإلقاء الضوء على القضيَّة الفلسطينيَّة ومعاناة أهالي غزَّة من اعتداءات جيش العدوِّ الصهيوني الَّذي ما وقف عِندَ أيِّ فرصة لينتهك الأرض ويبيد شَعبًا اغتُصبت أرضه وسُرق وطنه، فكانت عمليَّة طوفان الأقصى لتفنّد السرديَّة الكاذبة للكيان المحتل طوال فترات طويلة من الزمن بآلة إعلاميَّة كاذبة، ليقفَ العالم على الحقيقة المروِّعة وهي أنَّ هذا الكيان المحتل لا يريد إلَّا اغتصاب الأرض، وفي سبيل ذلك يرتكب كُلَّ أنواع الإجرام وأشدّه فتكًا بإبادة جماعيَّة لشَعبٍ أعزل. وها هي شعوب العالم تنتفض بالمَسيرات والاحتجاجات المليونيَّة نصرة للقضيَّة الفلسطينيَّة، ولوقف الإبادة الجماعيَّة الَّتي ترتكب بحق أهالي غزَّة، فهل سيستمر شهر أكتوبر فأل حسن ونكُونُ معه على موعد مع الانتصارات؟
جودة مرسي
من أسرة تحرير «الوطن »