السبت 11 أكتوبر 2025 م - 18 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : توازن السيولة وصلابة الثقة

الأربعاء - 08 أكتوبر 2025 03:30 م

رأي الوطن

70


تُظهر المؤشِّرات النقديَّة والماليَّة، الصَّادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، صورةً واضحة لحيويَّة الاقتصاد الوطني واتِّجاهه نَحْوَ مزيدٍ من الاستقرار المدروس. فقَدْ سجَّلتِ السُّيولة المحليَّة نُموًّا بلغ (5.2%) لِتصلَ إلى أكثر من (25) مليار ريال عُماني بنهاية يوليو 2025، في دلالة على قدرة المنظومة المصرفيَّة على ضخِّ الثِّقة في شرايين السُّوق.. هذا الارتفاع في عَرض النَّقد يعكس اتِّساع النَّشاط التِّجاري وتزايد حركة الإقراض والتَّمويل، ما يعني أنَّ رأس المال الوطني يتحرك ضِمن دَوْرة اقتصاديَّة أكثر توازنًا ونضجًا، تتكامل فيها سياسات البنك المركزي مع الأهداف الكُليَّة لرؤية «عُمان 2040»، الَّتي تضع في مقدِّمة أولويَّاتها بناء اقتصاد متنوِّع ومستدام، كما يكشف هذا النُّمو عن إدارة نقديَّة واعية تُحافظ على استقرار السُّوق، وتُعزِّز الثِّقة في العملة الوطنيَّة، في وقتٍ تتأرجح فيه اقتصادات كثيرة تحت ضغوط أسعار الفائدة والتَّضخُّم العالَمي.

لعلَّ النُّموَّ الملحوظ في الائتمان المصرفي بنسبة (8.9%) بنهاية يوليو 2025 يجسِّد الوَجْه العملي لحيويَّة السُّيولة الَّتي شهدها الاقتصاد العُماني، إذ إنَّ ضخَّ أكثر من (34) مليار ريال عُماني في شكلِ قروض وتمويل يعكس حركة استثماريَّة نشطة تتجاوز الأرقام نَحْوَ بناء دَوْرة إنتاجيَّة حقيقيَّة، وهو ما يُعبِّر عن ثقة متبادلة بَيْنَ البنوك والقِطاع الخاصِّ، وعن منظومة ماليَّة تمتلك القدرة على المواءمة بَيْنَ التَّحفيز الاقتصادي والرَّقابة الرَّشيدة. ويبدو واضحًا أنَّ تراجع متوسِّط سعر الفائدة على القروض إلى نَحْوِ (5.5%) أسْهَم في تنشيط بيئة الاستثمار ودعم المشروعات الصناعيَّة والتجاريَّة، في وقتٍ تتَّجه فيه سلطنة عُمان لترسيخِ نموذجٍ تنموي يَقُوم على التَّنويع والإنتاج لا على الاعتماد الرّيعي، وهنا تتجلى كفاءة السِّياسة النقديَّة في تحويل السُّيولة من أموال ساكنة إلى قوَّة مُحرِّكة لعجلة التَّنمية.

إنَّ ارتفاع ودائع القِطاع الخاصِّ بنسبة (5.8%) يكشف عن رسوخ الثِّقة في الجهاز المصرفي العُماني، وعن وعي متزايد لدَى المواطِنِين والمستثمِرِين بأهميَّة المشاركة في الدَّوْرة الاقتصاديَّة عَبْرَ قنوات تمويليَّة آمِنة ومنظَّمة. هذه الزِّيادة تعكس تطوُّر العلاقة بَيْنَ القِطاع المالي والمُجتمع الإنتاجي، حيثُ أصبحتِ الإيداعات تُعبِّر عن تحوُّلٍ في الإدراك الاقتصادي، نَحْوَ اعتبار البنوك شريكًا فاعلًا في تنمية رأس المال الوطني، كما أنَّ تراجع النَّقد المتداول بنسبة (6.1%) يُشير إلى اتِّساع استخدام الأدوات البنكيَّة الرَّقميَّة والتَّحوُّل نَحْوَ الاقتصاد غير النَّقدي، وهو مسار ينسجم مع توَجُّهات السَّلطنة في بناء منظومة ماليَّة ذكيَّة ترفع من كفاءة الإنفاق، وتُحسِّن إدارة السُّيولة.. ومع توسُّع الخدمات البنكيَّة الذكيَّة، وتنامي ثقة القِطاع الخاصِّ في استقرار السُّوق، تواصلُ البنية الماليَّة العُمانيَّة أداءها كدعامة أساسيَّة للاستثمار والتَّنمية المستدامة.

وانطلاقًا ممَّا سبَق، يُمكِن قراءة ارتفاع صافي الأصول الأجنبيَّة بنسبة (9.5%) واستقرار مؤشِّر سعر الصَّرف الفعلي عِندَ (116.3) نقطة كدليلٍ واضح على متانة الاقتصاد العُماني وقدرته على مواجهة الضغوط الخارجيَّة بثقةٍ ومرونة. ويعكس ثبات العملة الوطنيَّة نجاح السِّياسات النقديَّة في تحقيق التَّوازن بَيْنَ الانفتاح الاقتصادي، وضبط حركة الأموال داخل النِّظام المصرفي، فحجم الأصول الأجنبيَّة المتنامي يؤكِّد سلامة المركز المالي للدَّولة، ويُعزِّز من قدرتها على تمويل احتياجاتها دُونَ اضطراب، في وقتٍ تشهد فيه أسواق المال العالميَّة تقلُّبات حادَّة في أسعار الفائدة والعملات. وتكشف هذه المؤشِّرات عن نموذج اقتصادي يعرف كيف يوازن بَيْنَ الطُّموح والنِّظام، بَيْنَ التَّنمية والإدارة، لِتظلَّ عُمان ماضيةً بثقة نَحْوَ بناء اقتصادٍ قوي ومستدام، يعكس روح رؤيتها الَّتي تضع الإنسان في قلبِ المعادلة التنمويَّة.