الثلاثاء 07 أكتوبر 2025 م - 14 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : اللباس الفاضح والتشبه بالجنس الآخر.. تجاوزات تخترق الخصوصيَّة والذوق العام.. هل من إجراءات حاسمة ورقابة صارمة؟

في العمق : اللباس الفاضح والتشبه بالجنس الآخر.. تجاوزات تخترق الخصوصيَّة والذوق العام.. هل من إجراءات حاسمة ورقابة صارمة؟
السبت - 04 أكتوبر 2025 12:22 م

د.رجب بن علي العويسي

60


مع تكرار الممارسات غير الأخلاقيَّة والسلوكيَّات الشائنة والأفعال المقززة وظواهر التفسُّخ والتبذُّل والعُري الفاضح الَّتي باتتْ تمارسها بعض النساء من العمالة الوافدة العربيَّة والأجنبيَّة الزائرة أو المُقِيمة والمواطنين، والظهور العلني الساخر والسافر لبعض الشَّباب بهيئة النساء، سواء في اللباس أو الشكل أو الحديث أو السلوك، والانتشار الواسع لهذه المنكرات في الفترة الأخيرة أو ظهورها عَبْرَ منصَّات التواصل الاجتماعي وبخاصة في الإنستجرام والتيك توك والسناب شات وغيرها كثير ممَّا باتَ يُمثِّل بيئةً خصبة ومرتعًا لنُمو هذه الجراثيم والقاذورات على شكل إثارة جنسيَّة، أو ظهور جريء وغير لائق على الملأ أو تصرفات مستهجنة تتنافى مع الذَّوق الرفيع والفطرة السليمة، أو لبْس فاضح وشفَّاف كاشف للخصوصيَّات أو كلام وحديث صوتي يدعو إلى الرذيلة والفحش ولا يحترم خصوصيَّة المُجتمع والمشاعر العامَّة أو مقاطع مرئيَّة ومسموعة واستخدام الابتذال الجسدي والإغراء والإغواء والإثارة الجنسيَّة، في معاقرة ظاهرة للرذيلة، وممارسة كاشفة للسقوط، والتلذذ بالعيب الشائن والسلوك المستهجن والمستحقر طبعًا وعرفًا، إذ إنَّ البعض من الرجال أو النساء يتفاخر وهو يصوِّر نفسه أو زوجه في وضعيَّات غير لائقة وحركات مثيرة.

ومع ثقتنا الكبيرة في اليقظة والجاهزيَّة الردعيَّة والوقائيَّة للجهات المختصَّة بالدولة، وعلى رأسها الادعاء العام وشُرطة عُمان السُّلطانيَّة، وغيرها من مؤسَّسات الدولة ذات العلاقة، والَّتي نرفع لها كُلَّ التقدير، فهي لن تتوانى في اتخاذ الإجراءات القانونيَّة والضبطيَّة في التعامل مع هذه الممارسات الشائنة ومواجهتها قانونيًّا، إلَّا أنَّ اتساع انتشار هذه الممارسات وظهورها اللافت يؤكد اليوم على أهميَّة تفعيل القوانين وتشديد الرقابة واستحضار كُلِّ القنوات التشريعيَّة الضابطة لهذا الجانب، خصوصًا ما يتعلق منها بقانون الجزاء وجملة الأحكام الواردة في هذا الشأن، حيثُ حفلت التشريعات العُمانيَّة بالكثير من الموجهات والمرتكزات الَّتي حددت حقوق الوافد والفرص والمميزات الَّتي يحصل عليها جرَّاء انضباطه والتزامه، كما أشارت إلى واجباته ومسؤوليَّاته عَبْرَ مختلف أشكال التعبير الَّتي أقرَّها القانون والصورة الإيجابيَّة المعَبِّرَة عنها، فقد أفرد النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (6/‏2021) العديد من المواد الَّتي تناولت هذا الجانب، ومن بَيْنِها المادة (42) «يتمتع كُلُّ مُقِيم أو موجود في السلطنة بصفة قانونيَّة بحماية شخصه وأملاكه طبقًا للقانون، وعليه الالتزام بالتشريعات والقوانين المعمول بها، ومراعاة قِيَم المُجتمع، واحترام تقاليده ومشاعره»، والمادة (47) «احترام النظام الأساسي للدولة، والقوانين، والمراسيم والأوامر السُّلطانيَّة، واللوائح، والقرارات الصادرة من السُّلطات العامَّة تنفيذًا لها، ومراعاة النظام العام، واحترام الآداب العامَّة واجب على المواطنين والمقِيمِين والموجودين في السلطنة». كما أورد قانون الجزاء المعدَّل بالمرسوم السُّلطاني رقم (11/‏2025)، في المادة (294): يعاقب بالسجن مدَّة لا تقلُّ عن شهر، ولا تزيد على (3) ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقلُّ عن (100) مئة ريال عُماني، ولا تزيد على (300) ثلاثمئة ريال عُماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كُلُّ مَن: أ – ظهر في الطُّرق أو الأماكن العامَّة بطريقة تخدش الحياء العام أو تتنافى مع تقاليد وأعراف المُجتمع.

عليه، تؤكد هذه القوانين جميعها على أهميَّة العمل الوطني الموجَّه نَحْوَ حماية الخصوصيَّة الوطنيَّة والأخلاق العمانيَّة؛ باعتبارها محطَّة مفصليَّة في تقديم السلوك العام، بحيثُ توجّه نَحْوَ تعزيز كُلِّ ما يؤدي إلى مراعاة الذَّوق والمشاعر العامَّة، وتشديد الإجراءات وتغليظ العقوبات على كُلِّ الممارسات الفرديَّة والجمعيَّة في هذا الشَّأن، وتوجيه الرأي المُجتمعي ومستخدمي منصَّات التواصل الاجتماعي نَحْوَ الإبلاغ عن أيِّ صفحات أو حسابات شخصيَّة عَبْرَ الفضاء الرقمي تمارس هذا الابتذال غير الأخلاقي أو تحرض له أو تدعو إليه، والجرأة المفرطة في المحتوى الجسدي لبعض هذه الحسابات؛ بهدف تحقيق الشهرة، منعًا من استفحالها وانتشارها والتعامل معها بكُلِّ مهنيَّة واحترافيَّة بدرجة عالية من الضبطيَّة وعدم التهاون في التطبيق الفوري للعقوبات والجزاءات المعدَّة لكُلِّ مخالفة الأمر الَّذي يؤدي إلى تلاشي مثل هذه الممارسات والعادات المستهجنة مع سد فراغ الضوابط الحاصل في المنصَّات بإيجاد مسوِّغات تشريعيَّة وضبطيَّة في أحكام قانون جرائم تقنيَّة المعلومات.

إنَّ نجاح تطبيق العقوبات الرادعة على هذا المخالفات المسيئة للأخلاق والقِيَم والهُوِيَّة والخصوصيَّة العُمانيَّة في ظل تسارع انتشارها يستدعي اليوم ـ كمدخل وقائي وعلاجي استباقي لهذه الظواهر المستهجنة ـ نشر مظلَّة التوعية والتثقيف والوعي الجمعي والفردي لدى الوافدين بشكلٍ خاص وزيادة جرعاتها بلُغات مختلفة، سواء في مؤسَّسات التعليم الأجنبي الخاص أو في الإعلام المحلِّي أو المنافذ الأمنيَّة قَبل دخولها أرض سلطنة عمان بحيثُ تكُونُ مدركة لكُلِّ الأخلاقيَّات والمبادئ الَّتي يَجِبُ أن تلتزم بها قَبل أن تطأ أرض سلطنة عُمان والضوابط الَّتي عليهم الالتزام بها، وتصبح التعبيرات الفرديَّة والجمعيَّة الَّتي تمارس قائمة على رفع درجة التناغم مع الخصوصيَّة الَّتي يعيشها المُجتمع العُماني، وأنَّ هذا الفعل أو السلوك غير مرغوب فيه ويستقبحه المُجتمع وتستهجنه البيئة العُمانيَّة، وبالتالي تعطى هذه العمالة صورة واضحة عن الأخلاق العُمانيَّة والسَّمت العُماني الأصيل وما يصح وما لا يصح وما هو مقبول وما هو غير مقبول. لذلك أكدنا في أكثر من مرة على أهميَّة إيجاد مدونة قواعد السلوك الأخلاقي للوافدين (الزوَّار والمقِيمِين) وعَبْرَ تقديم مبادئ وقواعد عمل هذه المدوَّنة بأشكال تعبيريَّة وتنظيميَّة وإخباريَّة وتوعويَّة مختلفة تتناسب مع مختلف الفئات وتراعي تنوُّع الظروف والأحوال والمتغيرات والأزمنة والأمكنة. على أنَّ من بَيْنِ الإجراءات الاستباقيَّة الَّتي نعتقد بأهميَّة حضورها كُلَّ مدخل للوقاية العلاجيَّة لهذه الممارسات المشوّهة للسَّنع والسَّمت العُماني، الرقابة على الأماكن العامَّة بعدم السماح بدخول هذه الفئات الَّتي لا تلتزم باللباس المحتشم من الجنسين أو الَّتي تتشبَّه بالجنس الآخر إلى المولات والأسواق والأماكن العامَّة.

إنَّ سرعة انتشار هذه التجاوزات غير الأخلاقيَّة، وتكرار ظهورها، بل وطريقة ممارساتها الشائنة في أوضاع أكثر استقباحًا واستهجانًا وانحرافًا، وبأشكال وآليَّات وأساليب غير معهودة، يشكِّل تهديدًا للقِيَم والأخلاق والخصوصيَّة العُمانيَّة، في ظلِّ استغلال فراغ الضوابط في المنصَّات الاجتماعيَّة بمختلف أنواعها مساحة لها في الشهرة المزيفة، الأمر الَّذي يرفضه المُجتمع العُماني وتعافه التربية العُمانيَّة الطيبة. إنَّها دعوة إلى عدم التساهل في تطبيق العقوبات والتشهير بالممارسين. فإنَّ من شأن تكامل الجهود وتفاعل الأُطر وتعاظم دَوْر المؤسَّسات التعليميَّة والإعلاميَّة والدِّينيَّة والأُسرة ومؤسَّسات المُجتمع الأهلي لتؤديَ دَوْرها جنبًا إلى جنب مع المؤسَّسات الأمنيَّة والقانونيَّة أن يُعزِّز مسار الاهتمام بالمتابعة والرصد والتشخيص والتقييم المستمر للسلوك العام ورصده، ونشر الجزاءات والعقوبات المطبقة في التعامل مع هذه الممارسات، وتعزيز نشر القدوات والنماذج في المُجتمعة الملتزمة بالاحتشام، أن يسهمَ في الحدِّ من هذه الممارسات المنحرفة والعادات المنحطَّة والسلوكيَّات المستهجنة والمستقبحة الَّتي باتتْ تسيء للذَّوق والسَّنع والسَّمت والمشاعر العامَّة وأخلاق المُجتمع العُماني المُسلِم والثقافة المُجتمعيَّة الراقية.

أخيرًا، يبقى قرار الادعاء العام بتشكيل فريق «رصد» لمتابعة الظواهر السلبيَّة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا ما يتعلق بالتشبُّه بالنساء، وأنَّ الظهور علنًا بهيئة النساء من حيثُ اللباس أو الهيئة جريمة يحاسب عليها القانون، وملاحقة القانون لكُلِّ من يظهر بمظهر النساء على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنَّ الالتزام بالآداب العامَّة ليس خيارًا شخصيًّا وسلوكًا مزاجيًّا، بل واجب حدَّد القانون حدوده ومعايير؛ يُمثِّل تحوُّلًا نوعيًّا في تعظيم حوكمة القِيَم والخصوصيَّة الوطنيَّة والقِيَم والأخلاق؛ باعتبارها محكَّات أساسيَّة لبناء مُجتمع القوَّة ونهضة الوعي الجمعي، القادرة على صناعة مستقبل الناشئة في إطار من الثوابت والهُوِيَّة والقِيَم والأخلاق والسَّمت العُماني، وما يعكسه هذا القرار من رؤية عميقة تستشرف مستقبل الناشئة وتؤسِّس لبناء النماذج وصناعة القدوات بحيثُ يصبح المحتوى الرقمي أداة فعَّالة لبناء الوعي ووسيلة للحدِّ من الظواهر والممارسات غير المسؤولة، وإزالة التكهنات الَّتي ما زالت تقرأ في هذه التحدِّيات والسلوكيَّات المبتذلة أحَد منتجات التقنيَّة والفضاءات الرقميَّة، بل تصنع من التحوُّل الرَّقمي الطريق للتصدِّي للمحتوى السلبي الَّذي يغزو الفضاء الرَّقمي ويؤثِّر في النَّشء، ومع ذلك فإنَّ الإشارة اليوم إلى ظاهرة «التشبُّه بالنساء» لا تلغي جهود الادعاء العام مع شُرطة عُمان السُّلطانيَّة والجهات الأمنيَّة والقانونيَّة وغيرها في رصد الظواهر المتعلقة باللباس الفاضح والظهور الجريء غير المحتشم وغير اللائق لبعض النساء في المنصَّات الاجتماعيَّة؛ نظرًا لتقاطع تأثيرها وتعاظم مستوى الخطر الناتج عن هذه الحالات على الأُسرة والطفولة، وإخراج المرأة من جوهر المبادئ والقِيَم والأخلاق، والمعايير والمُثل الَّتي تربَّت عليها ونشأت فيها.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]