الثلاثاء 07 أكتوبر 2025 م - 14 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

مجالس الذكر.. نور يشع فـي الأرض والسماء «1»

الأربعاء - 01 أكتوبر 2025 12:18 م

لا شك أن مجالس الذكر هي مجالس مباركة عظيمة.. مجالس يتنافس فيها المتنافسون.. مجالس عظّمها الله سبحانه وتعالى لعلو منزلتها ومكانتها، قال تعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد ـ 28).

ما أعظم هذه المجالس! ففيها تشد الهمم وترفع العزائم وتشحن النفوس بحلاوة الإيمان، الحاضرون في مجالس الذكر يباهي بهم الله ملائكته فيكونون يوم القيامة من الذين يظلهم بظله، فعن أبي هريرة قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم):(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).

إن مجالس الذكر حياة تسعد حياة المسلم وترتوي من رحيق القرآن والسنة المحمدية فلا حياة للقلوب إلا بمجالس ذكر الله، قال الله تعالى:(وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب ـ 35)، وعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) (رواه البخاري).

مجالس الذكر تتحقق فيها الأماني في الدنيا والآخرة وتنفرج الهموم والغموم والحقد والبغضاء والحسد والضغينة وتنشرح الصدور وتسعد بالطمأنينة وتحقق سعادة ما بعدها سعادة في هذه المجالس وبذكر الله كم شدة انقشعت وكرب أزال وسعد الذاكر وهو يعيش في رياض الجنة في هذه الحلقات المباركة، عن أنس بن مالك، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر) (أخرجه الترمذي)، وروى أيضًا عن أبي واقدٍ الليثي ـ رضي الله عنه:(أنّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل نفر ثلاثة، فأقبل اثنان إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذهب واحد، قال فوقفا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله، فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه).

ففي مجالس الذكر سعادة دائمة في حياة المسلم مجالس يرتقي فيها الإيمان وتزكي النفوس بحب الله والاقتداء بسيرة سيد الأنام سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، مجالس تحفها ملائكة الرحمن وتنزل السكينة على أهلها وتغشاهم رحمة الله ويذكرهم الله فيمن عنده وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم‏):‏ ‏(ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده‏)‏ (‏رواه مسلم‏)‏‏. ففي مجالس الذكر نحيا حياة جديدة، ونزداد حبًّا وشوقًا إلى ذكر الله، وخلال هذه المجالس تحيا وتزدهر النفوس وتصبح ذات همة ونشاط ونور ينجلي وترتوي من سير الأنبياء والصحابة والتابعين والسلف الصالح، ومما يوقظ ويحيا القلب هذه المجالس المزدهرة بالعلم والذكر ومصاحبة الصالحين، قال تعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد ـ 28)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ):(وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنْ لَوْ تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ) (رواه مسلم).

إنها مجالس عظيمة مباركة لا تشبهها مجالس الدنيا مهما كانت، فلها عند الله منزلة وقدرًا، ففيها يتنافس المتنافسون لتزكية نفوسهم ورفع هممهم، ومع كل مجلس نسعد بحب الله ونحن تتحلق عبر هذا الزاد الذي يغذي بمختلف الطاعات والعبادات، ومن عظيم الذكر ومنزلته عند الله، وما لهذه الحلقات العظيمة التي يسعد الجالس في هذه الروضة المباركة التي يباهي الله ـ جلّت قدرته ـ بالذاكرين الملائكة، كما ثبت عن أبي سعد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال:(خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ آللَّهِ: مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ آللَّهِ: مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ) (رواه مسلم).

إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري 

 كاتب عماني