الاثنين 06 أكتوبر 2025 م - 13 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

مقتضيات المولد النبوي الشريف وملتزماته «2»

الأربعاء - 01 أكتوبر 2025 11:49 ص
10

حقًّا.. إن من لوازم الاحتفال، ومقتضيات الصدق والإيمان أن نستشعر مدى النعمة، وجلال المنة بمولده الشريف، وبعثته المباركة، وأنه لولا هذا لكنا حقًّا من الهالكين، كمن كان قبلنا من أهل الوثنية، وعُبَّاد الأصنام، ومَنْ يعيش بيننا اليوم من عباد البقر، ومن يتخذون آلهة غير الله؛ بسبب جهلهم، وعدم قراءتهم عن الدين الحق، والملة الخاتمة، وما ارتضاه الله لنا من الدين، وأتمَّه، واختاره دينًا خاتمًا للعالمين، ونافعًا للخلق أجمعين.

ومن مستلزماته، ومقتضياته أن يسعى كلٌّ منا ـ وفق تخصصه ـ في الكتابة عن المولد، والبعثة، ويبيِّن للناس تلك السيرة العطرة، وتلك المسيرة النبيلة للشخصية المحمدية التي هي الأُولَى عند ربها، المكرمة: أرضًا وسماء، أخلاقًا ومعاملات، وأن نعلِّمها للناس، ونصبر عليهم حتى يروا جمالها، وجلالها، وأنهم لابد ـ لكي يحيوا حياة موفقة، كلها سعادة، ويملأها الفرح، والراحة الروحية الحقيقية ـ أن يمضوا خلف رسول الله الكريم، وألا يقدِّموا شيئًا بين يدي الله ورسوله، وأن يتقوا الله في السُّنَّة، وأن يلتزموا بها، وألا يستقلوا شيئًا منها، وألا يزيدوا شيئًا عليها، وألا ينتقصوا منها شيئًا، وأن يقفوا معها باستنانٍ تامٍ، واتباعٍ صادقٍ، وتمسُّكٍ أصيلٍ بكل ما ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وأن يسعوا جاهدين للدعوة إليها، والدفاع عنها ضد الحاقدين الذين يبغونها عوجًا، ولا يريدوا للنور أن يظهر، ولا للشمس أن تُشْرِقَ، وكل غاياتهم هو إبعاد الناس عن دينهم؛ ليبتزوا أموالهم، وليجعلوهم وفق أهوائهم، ويأكلوا جهودهم، وينهبوا ثرواتهم بحجة أن متطلبات الحياة أن نترك الدين، وأن نجعله قابعا في مسائل الوضوء، والطهارة فقط، دون أن نعمله في دنيانتا، وأن ندخله في حياتنا كلها، وأن نحكِّمَه في تصرفاتنا، وكل تعاملاتنا؛ لكيْ نعيش سعداء، ويرضى عنا ربُّ الأرض والسماء، وأن يتولانا برحمته، ومغفرتهن وواسع إحسانه، وكامل رضوانه.

ومنها، ومن أهمها، أن نسهم في ترك ما يجعلنا عند ربنا مقربين، ومن رحمته متضلعين، ومن إحسانه مقدَّمين؛ وذلك بتأليف شيءٍ يبقى لنا، ولأحفادنا، ولكل المسلمين من الكتب، أو الكتيِّبات، أو المطويات، أو من المقالات، أو من المُشَيَّرات التي تبين خُلُقًا، وتشرح موقفًا، وتبيِّن جزءًا من السيرة، سواء أكان ذلك البيان على المستوى الفردي، أم المستوى الأسري، أم على مستوى المجتمع، أم على مستوى الأمة بأكملها، مثل ما ترك أسلافنا لنا ذلكم التراث الزاخر، والجهد العاطر من الموسوعات، وضخام المؤلفات التي نرجع إليها الآن بعد موتهم بمئات السنين، ونقف على ما خطَّتْه أيديهم، وتفوَّهَتْ به أفواههم، وبُحَّتْ من خلاله حناجرهم، فأمسى تراثًا زاخرًا، وعملًا باهرًا، وبالنفع ـ كما نرى ـ مهما عاطرًا، وبكل النفع والإفادة ماطرًا، ماطرًا، ماطرًا.

إنه لدينا مساجدُ، وجوامعُ، ومدارسُ، ومعاهدُ، وجامعاتٌ، ومؤسساتٌ حكوميةُ، وخاصة، يمكننا أن نذهب إليهم في أماكنهم طوال الشهر المبارك، نتحدث معهم في ندوات، أو محاضرات، أو خطب، أو دورات، نعلمهم فيها جمال السيرة، وكمالها، وأهمية العمل بها، وفهمها، وإنزالها على الحوادث، والكوارث، والمُلِمَّات التي تحصل لنا في أيامنا هذه، ونتفهمها، ونعمل بها، ونحلُّ جميع مشكلاتنا، وفق ما ورد عن الرسول الكريم في سيرته، وما جاء في القرآن الكريم، وما تضمَّنه بين دفتيه، وكل ما ورد عنه من تفاسير، ومؤلفات، وأعمال كانت محل تقدير، وموضع توقير العلماء، ومدح الحكماء، نعيش عليها، ونفهم منها، ونكتب وفق معطياتها.

وأخيرا، فلا مجال لمن يُنْكِرُ ضرورة الاحتفال بالمولد الشريف، ولكنْ وفق المعايير/ والمقاييس التي قدمناها أعلاه، وأن البدعة قد تَجَدَّدَ مفهومُها، وأن من متطلبات الحياة المعاصرة أن نتعايش مع الناس بروح الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وأن نحيا معهم في دنياهم، وألا نتركهم نهبا لأعداء الدين، ومن يبغونها عوجًا، ففي الأثر:(بلّغوا عني ولو آية)، فمن علم بشيء يسير من السنة المكرمة وجب عليه أن يبينها لغيره، وأن يساعده على تنفيذها، وأن يظل معه: تعليمًا، وتفهيمًا، وتعبيرًا حتى يأخذ بيده؛ ليكون من مصافِّ الدعاة، وأهل الحكمة والعطاء، وأن يراه الله في حالة من الدعوة إلى الله المتواصلة، والهداية إلى دينه وسنة رسوله الكريم المتتابعة، وأن يظل وفيًّا لله، ولرسوله، داعيًا إلى القرآن الكريم، والسنة المكرمة إلى أن يلقى ربه، راضيًا عنه مرضيًا، وحتى يلقى على الحوض الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فينال مودته، ومحبته، ويعطَى جواره، ورفقته، ويشرف بسقياه، وشفاعته (صلى الله عليه وسلم).

د.جمال عبدالعزيز أحمد 

كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية

[email protected]