الثلاثاء 07 أكتوبر 2025 م - 14 ربيع الثاني 1447 هـ
أخبار عاجلة

مقتضيات المولد النبوي الشريف وملتزماته «1»

الأربعاء - 24 سبتمبر 2025 12:29 م
10

أعزائي القراء.. ونحن ونواصل حديثنا عن ميلاد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، حيث نقول أنه كانت فتحًا للدنيا، وشمسًا للعدالة والحرية، وشعارًا للأخوة والكرامة، وإشارة وعلامة على التغيير الكبير في حياة هذا الكون وعمره، وصار له من الاعتبار والإنسانية الشيء الكبير، لكنْ ما أهم مقتضيات تلك الولادة، وملتزماتها على كل مسلم؟!.

وهنا يمكننا في هذه السطور أن نبيَّن بعضًا من تلك المهمات، وهذه الالتزامات على كل مسلم يحب الله، ورسوله، ويعيش لإرضائهما، ويعمل على طاعتهما، والعمل وفق ما ورد في الكتاب الكريم، والسنة المطهرة، والسيرة العاطرة التي هي بالخيرات ماطرة.

إنّ أول تلك المقتضيات أن نعتقد أن الاحتفال بمولده الشريف ليس مقصورًا على شراء الحلوى بأنواعها، وتقديمها للأولاد والأصحاب والأقارب والخلان، وإن كان ذلك مطلوبًا، إلا أنه أمرٌ شكليٌّن لا نتوقف عنده كثيرًا؛ بسبب أنه أصبح من عادات الناس، ولا نستطيع أن نتحكم في عادات وتقاليد طيبة، ولا شيء عليها من حرمة أو مكروه.. ونحوه مما نسمع به، ولا نقبله.

وأهم تلك المقتضيات والالتزامات أن يُعيد كلٌّ منا عهده مع الله، ومع رسوله، وأن يتعاهد على أن ينهض بدينه، ويستنَّ برسوله (صلى الله عليه وسلم)، صاحب الذكرى العطرة التي نحيا بها، ولا نحييها؛ فهي حية بيننا، وتسطع يوميًا في دنيانا، ونعيش على أثرها، ونمضي في فيافيها، وبساتينها، وحدائقها الغُلْبِ العاطرة بالسيرة، والمسيرة المظفرة، والتي هي بالنفع، والخيرات الماطرة، وبكل ألوان النفع، والصلاح، والهدى هادرة.

نقف عليها، ونعيد قراءتها وفق معطيات العصر، ومتطلبات الوقت، ومستلزمات الحياة، قارئين، ومتعطشين لها، نثورها، ونستنبط منها كل ما يصلح لنا في حياتنا، وينفعنا في دنيانا، وآخرتنا، ويقربنا من ربنا، ورسولنا، وننهض لرسالتنا، ونعيش لمهمتنا، ونسعى سعيًا حثيثًا لإعادة الخلق إلى رحاب الحق، والالتزام الصدق.

ومن مقتضياتها أن نعلِّمها أبناءَنا، ونحفظها أحفادَنا، ونوصيهم بالتمسك بها، والعمل لإشاعتها بين الناس: سلوكًا، ومعاملات، وعادات، ونبلًا، وأخلاقًا. ومنها أن ندعوَ الناس إليها، ونلحَّ عليها، ونريَهم ـ من خلال سلوكياتنا اليومية ـ أنها أجدى لنا، وأنفع لحياتنا، وهي السبب في رضا ربنا عنا، وتَكرُّمِهِ علينا، ورأفته بنا ـ جلَّ جلاله، وعظم في الأرض والسماء كماله.

ومنها أن نستشعر حجم العطاء الإلهي، ومدى المحبة لنا نحن المؤمنين بالله، المحبين لرسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)، العاملين على نشرها، وشرحها، وبيانها، والعمل بها، وتوضيح أهميتها لعباد الله، وخطورة البعد عنها، وجلال القرب منها، وضرورة التمسك بها، والذود عنها، مهما كان الثمن، ومهما كانت التضحيات.

ومنها أن نقيم لها المحاضرات والندوات، والخطب العظام، والمجالس المتعددة، حيث أنار المولدُ شمسَه، وأضاء قمرَه، ونوَّر الدنيا ضياءُ السنة، ونورُ السيرة العطرة، وجمالُ المسيرة النبوية الشريفة.

ومنها أن يسعى كل منا ـ وفق تخصصه ـ إلى الإسهام في بيانها للناس، وتقريبها للعباد، ومساعدتهم على فهمها، واستنباط الحلول للمشكلات التي تجدُّ لنا، وتحلُّ بنا، وأن الحل الحقيقي لكل مصائب الحياة إنما هو في العودة إلى الله، والسير خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والعمل وفق كل ما ورد عنه: قولًا، وفعلًا، وسلوكًا، وتعاملًا، وأخذًا، وعطاء، وتركًا، وحبًّا، وبغضًا، وحِلًّا، وترحالًا، وسرورًا، وغضبًا، بحيث تكون كلُّ حركاتنا، وسكناتنا، وسفرنا، وإقامتنا وفق تلك السيرة الجليلة، والأخلاق النبيلة.

ومنها استشعار أن حاجتنا الماسة إلى الرسول الكريم هي أشد من حاجة أعيننا إلى نورها، وأجسادنا إلى روحها، وأن حياتنا الحقيقية هي في اتباع السنة حذو النعل بالنعل، والسير وفق كل ما ورد فيها من حلال وحرام ومكروه ومندوب ومسنون، وأن نوقن أن الرسول حيٌّ بسيرته بين ظهرانّيْنَا، وموجود بيننا بسنته المكرمة، ومسيرته المباركة، وأعماله الكريمة.

ومنها أن نعلِّم جيراننا ـ من خلال سلوكياتنا الصادقة ـ أن تلك السُّنَّة، وهذا المولد إنما كان منةً، وكمالً نعمة من الله تعالى علينا، وعلينا أن نشكر ربنا على نعمة مولد الرسول، ومبعثه الشريف، وأنه لولا مِنَّة الله لكنا هالكين، ولولا مبعثه لكنا ضلالاً جاهلين، وتحت الوثنية والشرك قابعين، ورهن عذاب الله ماثلين، وأن المِنَّة الحقيقية هي في مولده الكريم، ومبعثه الشريف وفق قول الله ـ جل جلاله:(لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَريصٌ عَليكُم بِالمؤمِنينَ رؤوفٌ رحيم)، ونستحضر قوله الكريم:(لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلو عَلَيهِم آيَاتِهِ، وَيُزكِّيهم، وَيُعِلمَهُم الكِتَابَ والحِكمَةَ، وإِن كَانوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مبين).

د.جمال عبدالعزيز أحمد 

كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية

[email protected]