الخميس 18 سبتمبر 2025 م - 25 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

فلنتراحم بيننا «2»

الأربعاء - 17 سبتمبر 2025 01:20 م

أيها الأحباب.. وتكملة لحديثنا عن الرحمة التي تهدي صاحبها للاقتداء برسوله الرحيم (صلى الله عليه وسلم)، وهي دليل على الاستقامة على أمر الله، وقد جاء الأمر من الله تعالى لرسوله ولنا معه في قوله:(وقُل رَبِّ اغفر وارحم وأَنتَأَرحَمُ الرَّحمين) (المؤمنون ـ 118)، وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)(سنن الترمذي، برقم: 1924).

فالمسلمون بهذا مطالبون بالرحمة في أنفسهم وفيما حولهم،تتجلى آثارها بعطفهم وتراحمهم فيما بينهم،قال الله عزوجل:(إِنَّما المؤمنونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحوا بَينَ أَخوَيكُم واتقوا اللهَ لَعَلَّكُم تَرحمون) (الحجرات ـ 10)، ويعم تراحمهم ليشمل ما بينهم وبين جميع ما خلق الله، رحمة عامة تسع كل الكائنات والمخلوقات، من إنسان أو حيوان أو طير أو زرع، وخاصة البشر لاشتراكهم في الإنسانية، ففي الحديث وهو جزء من خطبة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع يقول:(كلكم لآدم وآدم من تراب)(سنن الترمذي، كتاب المناقب، رقم: 3270)، و(مسند الإمام أحمد، رقم: 23204)، و(صحيح ابن حبان، رقم: 6251).

فهو يؤكد على أن الناس جميعًا متساوون في أصل الخلقة، وأن التفاضل بينهم يكون بالتقوى فقط، فالرحمة يجب أن يتعامل بها المسلم مع أي بعيد أو قريب، مسلم كان أو غير مسلم، مع الأغنياء والسادة، والفقراء والمساكين، وخاصة الرحمة بالوالدين، وكذلك الرحمة بالزوجة والأولاد، وذوي الأرحام من الأهل وكل قريب أو صديق، وعلى وجه الخصوص بالعطف والرحمة الأرامل والأيتام، وكبار السن والمرضى العجزة، فليس المطلوب أن تقتصر الرحمة على من تعرف من قريب أو صديق، ولكنها عامة، ولهذا فإن المؤمن يتميّز بقلب يقظ حيّ عطوف لين رحيم، يرقّ للضعيف فيرحمه، ويألم للحزين فيواسيه، ويحنو على المسكين فيساعده، ويمدّ يده إلى الملهوف فينقزه، وينفر من الإيذاء والكبر والقسوة، يكون مصدر خير في كل حركاته وسكناته، وبر في كل تعاملاته، وسلام لكل من حوله وما حوله، يتجلى بالمحبة، ويتحلى بخلق الرَّحْمَة، وما من مسلم يتحلى بهذه الحلية، ويتجمَّل بهذه السَّجيَّة، حتى تظهر آثارها وتؤتي أكلها ليس عليه فقط، حقاً ولاشك أن بها ستنعكس عليه فوائد عظيمة، ويجني منها ثمارا جليلة في الدنيا والآخرة، يتذوق حلاوتها هو ومن حوله، فبها تكون هدايتهم، وبها يسكنهم الله تعالى دار ثوابه، وبها يرزقهم الله من واسع رزقه، ويعافيهم في أبانهم وجوارحهم، وينعم عليهم بفضله ورضوانه، فبحسن العبودية تكون لهم الجائزة، وبسبب الرحمة بينهم يدخلهم في رحمة منه ورضوان، قال تعالى:(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ) (التوبة ـ 21)، وقال تعالى:(قُل بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعون)(يونس ـ 58)، ولا ينالون ذلك إلا إذا تراحموا فيما بينكم، ووقر صغيرهم كبيركم، وعطف كبيرهم على صغيركم، حيث يشعر بعضهم ببعض، ويعطف بعضهم على بعض، ويرحم بعضهم بعضًامن هنا يرحمهم ربهم ويسعدهم في دنياهم وأخراهم، فهم بهذا أهل الرحمة مخصوصون برحمته سبحانه جزاء لرحمتهم بخلقه، مقتدون في هذا برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ليحبهم الله تعالى ورسوله، فضلًا عن محبة النَّاس لهم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعًا:(ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا)(سنن أبي داود،برقم:4943)، و(سنن الترمذي، برقم:1920).

وإليك أخي القارئ الكريم.. بعضًا من أهم من ينبغي أن تشملهم الرحمة في التعامل معهم أول وأهم من ينبغي أن تكون معاملتهم بالرحمة هما الوالدان، فالرحمة بالوالدين، قال تعالى: (وَاخفَض لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِ مِنَ الرَّحمةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَمَا رَبَّيَاني صَغِيرًا) (الإسراء ـ 24)، فببرهما تنزل بالعبد الرحمة، وبالإحسان إليهما تغشاه السكينة، السعادة، ومن أهم مظاهر الرحمة أيضاً، الرحمة بالزوجة والأولاد وبمن يعول، فالزوجة رفيقته وأم أولاده، قال تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرومـ 21).. وللحديث بقية.

محمود عدلي الشريف 

 [email protected]