بشائر الخير الَّتي هطلت مع سحائب خريف صلالة في محافظة ظفار الَّتي شهدت هذا العام نقلة تنمويَّة وخدمات أساسيَّة يشار إليها بالبنان من خلال اللقاء السَّامي الَّذي جمع حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ أيَّدهُ اللهُ ـ بمجلس الوزراء الموقَّر، لامست احتياجات عدَّة فئات من المُجتمع من توجيهاته السَّامية الَّتي أثلجت صدور الكثير من أبناء الوطن الَّذين تفاءلوا خيرًا بمخرجات ذلك الاجتماع الَّذي شهد عدَّة محاور ثريَّة والَّتي كان من بَيْنِها توجيهاته ـ حفظه الله ـ بمضاعفة المبلغ الَّذي تمّ تخصيصُه سابقًا لدعم برامج ومسارات تشغيل الباحثين عن عمل في القطاع الخاص، خصوصًا مبادرة دعم الأجور ليصبح المبلغ المخصص (١٠٠) مليون ريال عُماني نظرًا لإقبال القطاع الخاص والباحثين عن عمل على هذه المبادرات والبرامج، وهذه بحدِّ ذاتها فرصة سانحة للقطاع الخاص للاستفادة من هذه المبادرة بمضاعفة فرص العمل للشباب العُماني الطموح.
من جهة أخرى برزت أهميَّة تطوير المنصَّة الوطنيَّة للتوظيف «توطين» وإيجاد الآليَّة المناسبة لرفع عدد الشركات المسجّلة بها وإكمال ربط قواعد البيانات ذات العلاقة بها الَّتي ستسهم في تحديث قواعد بيانات الباحثين عن عمل، وهي إضافة أخرى تعزز إيجاد الحلول لملف الباحثين عن عمل الَّذي بات يؤرق كُلَّ بيت عُماني كما يؤرق قِطاعات محوريَّة ومهمَّة في الدولة. وفي رأيي الشخصي، فإنَّ المبادرتين أعلاه خطوة جادَّة لتقليص فجوة الأرقام المتصاعدة سنويًّا من الباحثين عن عمل.
كما أنَّ الاجتماع وضع كذلك في الحسبان شريحة مهمَّة من أبناء الوطن وهم ذوو الإعاقة، حيثُ وجَّه جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ بإنشاء قِطاع جديد بمستوى وكيل وزارة ضمن هيكل وزارة التنمية الاجتماعيَّة، وذلك سوف يسهم حتمًا في الاهتمام بهذا القِطاع ومعالجة تحدِّياته، وإيجاد الحلول لها، فهم فئات مستحقة للدعم، وكالعادة إنَّهم في صميم أجندات خطط الوطن واهتمامات قائده المُفدَّى.
هناك جهود تنمويَّة متواصلة شهدتها البلاد خلال هذا العام نفَّذها القِطاعان العام والخاص أتت ثمارها، حيثُ أثمرت تلك الجهود في تعزيز المركز المالي للبلاد الَّذي أسهم بِدَوْره في تقدُّم المؤشِّرات الاقتصاديَّة ضمن خطَّة التنمية الخمسيَّة العاشرة، وفي العموم ضمن مُستهدفات خطَّة التنمية الخمسيَّة الحاديَّة عشرة في سنَتها الماليَّة الأولى والَّتي شهدت نموًّا في تحسُّن القيمة المضافة للمنتجات غير النفطيَّة الَّتي حقق فيها الناتج المحلِّي الإجمالي بالأسعار الثابتة ما نسبته (3.4٪).. كُلُّ ذلك بالطبع سوف يكُونُ له مردود أكبر لتحقيق مُستهدفات رؤية «عُمان ٢٠٤٠» الَّتي تسعى في المقام الأول إلى تنويع مصادر الدخل، والتركيز على توفير فرص عمل في كافَّة القِطاعات.
كُلُّ ذلك يأتي من الحرص السَّامي من لدُن جلالته ومتابعته الشخصيَّة لآليَّات تنفيذ السياسة الوطنيَّة للمحتوى المحلِّي، وبالطبع سوف ينعكس ذلك إيجابًا في دعم الصناعات العُمانيَّة وإقامة المشاريع المحليَّة، والعمل على تعزيز الصناعات الإنتاجيَّة المرتبطة بالصادرات الَّتي تُعدُّ بمثابة رمانة الميزان في الارتقاء بالاقتصاد الوطني ودعم أرقامه المبشرة بالخير للوطن والمواطن. ومن أجل أن يتحقق ذلك فلا بُدَّ من التركيز على برنامج التحوُّل الرّقمي الحكومي (٢٠٢١-٢٠٢٥م) والَّذي كان له نصيب من أجندة الاجتماع، حيثُ شهد هذا العام تدشين البوابة الوطنيَّة الموحَّدة للخدمات، كما شهدت سلطنة عُمان إصدار لائحة تنظيم التحوّل الرقمي الحكومي وكذلك رقمنة ما نسبته (٧٤٪) من الخدمات الحكوميَّة لِتصبحَ إلكترونيَّة. كما أنَّ الثقة العالميَّة الَّتي حظيت بها سلطنة عُمان جعلتها الوجهة الإقليميَّة لمراكز معالجة البيانات وخوارزميَّات الذَّكاء الاصطناعي فزاد من رصيدها التنافسي في مؤشِّر جاهزيَّة الذّكاء الاصطناعي لتصل إلى مراكز متقدمة عالميًّا بعد تقدُّم سلطنة عُمان إلى المرتبة الـ(٤٥) عالميًّا والخامس على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ظل منافسة عالميَّة مطردة. لذا ينبغي العمل على رفع الجاهزيَّة الاستثماريَّة والتقنيَّة والبشريَّة والتشريعيَّة وتعزيز مشاريع الذكاء الاصطناعي الَّذي يُعدُّ مجالًا تنافسيًّا خصبًا برزت فيه كفاءات عالية من شباب الوطن المؤهلين علميًّا وعمليًّا.
وبالتَّالي فإنَّ استمرار تطوير المنصَّة الوطنيَّة للمقترحات والشكاوى والبلاغات (تجاوب) يُعدُّ بمثابة المرآة العاكسة الَّتي يستطيع مجلس الوزراء الموقَّر من خلالها متابعة التقدم في تبسيط الإجراءات الإداريَّة ومعرفة جوانب القصور ومعالجتها، لذا فإنَّ حرص المجلس على متابعة رضا المستفيدين من تلك الخدمات الرقميَّة ومن كافَّة الخدمات الحكوميَّة يدلِّل على اهتمام القيادة العليا بذلك القِطاع ورغبته الصادقة في تبسيط إجراءات العمل الإداري للمواطن والمقيم، ويعزِّز ذلك حرص جلالته ـ أبقاهُ اللّهُ ـ على اعتماد آليَّة للمساءلة والمحاسبة لجميع الجهات وفقًا لنتائج أدائها السنوي. إنَّ مباركة المجلس الموقَّر لإطلاق المبادرة الوطنيَّة للفريق الحكومي الواحد الَّتي ستنظّمها الأكاديميَّة السُّلطانيَّة للإدارة لكافَّة منتسبي وحدات الجهاز الإداري للدولة، وهي الأولى من نوعها، سوف تُعزِّز العمل بروح الفريق الحكومي للإسهام في عجلة التنمية، وكما أكد جلالته ـ حفظه الله ـ فإنَّ على كُلِّ فرد منَّا أن يؤمن بأهميَّة الأثر الَّذي يتركه عمله اليومي على مُجتمعه ووطنه، وفي ذلك درس بليغ يقدِّمه جلالته في حثِّ الجميع على إجادة العمل والإخلاص في الغايات العامَّة والأهداف السَّامية للوظيفة.
سيف بن خلفان الكندي
كاتب عماني