الأربعاء 17 سبتمبر 2025 م - 24 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : اجتماع يرسم طريق المستقبل

الأربعاء - 17 سبتمبر 2025 04:00 م

رأي الوطن

10


في صلالة الأصالة، حيثُ عبَق التاريخ يلتقي بآمال الحاضر، تفضَّل حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ فترأَّس اجتماع مجلس الوزراء؛ لِيُعيدَ رسم خريطة الطريق نَحْوَ المستقبل. فالمشهد كان نابضًا بروح الوطن، وشهد الاجتماع مراجعة دقيقة لِمَا تحقَّق في سنوات الخطَّة الخمسيَّة العاشرة، وإطلاق دفعة جديدة تعلن أنَّ التَّنمية تَسير بخُطى واثقة نَحْوَ الخطَّة الحادية عشرة، وتحولت الأرقام إلى قصَّة نجاح جماعيَّة، تتمثل في نُمو بنسبة (3.4%) بالأسعار الثابتة مدفوعًا بالأنشطة غير النفطيَّة، وتقدُّم في المؤشِّرات العالميَّة يُعزِّز مكانة السَّلطنة بَيْنَ الاقتصادات القادرة على التكيُّف. لقد حرص جلالته على تأكيد أنَّ المرحلة تتطلب جهدًا مضاعفًا وتخطيطًا أعمق، واستعدادًا أكبر لرهانات المستقبل، بما يجعل الإنسان في قلب المعادلة التنمويَّة.

ولعلَّ أبرز ما يؤكد أنَّ التركيز على الإنسان هو لبُّ التوجيهات السَّامية، توجيه جلالة القائد المُفدَّى بمضاعفة الدَّعم المخصص لبرامج التشغيل إلى (100) مليون ريال عُماني، وهو ما يُلبِّي طموح آلاف الشباب الباحثين عن فرص تصنع لهم مستقبلًا لائقًا، حيثُ تتحول المنصَّة الوطنيَّة (توطين) إلى أداة ذكيَّة تعكس ديناميكيَّة سوق العمل.. ومع تطويرها وربطها بالبيانات الوطنيَّة تصبح رافعة حقيقيَّة لبرامج التدريب والتشغيل، فمشهد التَّنمية يتسع ليشمل التحول الرقمي الَّذي أنجز رقمنة (74%) من الخدمات الحكوميَّة، وتقدُّم عُمان إلى المرتبة الـ(45) عالميًّا والخامسة إقليميًّا في جاهزيَّة الذَّكاء الاصطناعي، ما يُشير إلى إرادة واضحة لصناعة اقتصاد رقمي متكامل.. وحتَّى الفئات الَّتي كانت تواجه صعوبات في الاندماج حظيتْ باهتمام سامٍ خاص عَبْرَ إنشاء قِطاع جديد بمستوى وكيل وزارة لذوي الإعاقة؛ لضمانِ تمكينهم وتعزيز مشاركتهم في بناء المُجتمع، وهو ما يقود إلى الحديث عن البيئة الاقتصاديَّة الَّتي تحتاج إلى بنية ماليَّة متينة تدعم كُلَّ هذه البرامج.

كما حملتِ التوجيهات السَّامية رسالة واضحة بأنَّ قوَّة الاقتصاد تقاس بقدرته على خلق قيمة مضافة داخل الوطن، فقد أكَّد مجلس الوزراء على كفاءة الإنفاق في إطار متوازن ومستدام، وعلى متابعة تنفيذ السياسة الوطنيَّة للمحتوى المحلِّي لتعميق سلاسل التوريد الوطنيَّة، وتشجيع الصناعات المرتبطة بالصادرات، فهذا التوجُّه يُعزِّز قدرة السَّلطنة على مواجهة تقلُّبات الأسواق ويرفع حصيلة الميزان التجاري، ويضمن أن تتحول الاتفاقيَّات الموقَّعة إلى مشاريع ومصانع تحمل شعار (صُنع في عُمان). إنَّ هذه الرَّكائز الماليَّة والصناعيَّة تُشكِّل قاعدة صلبة تتيح لسلطنة عُمان المُضي في مسار تنموي متوازن يقوده العمل الجادُّ والحوكمة الرشيدة، ويحفِّز مشاركة القِطاع الخاص والمُجتمع في تحقيق أهداف رؤية «عُمان 2040».

إنَّ الرسالة الأبرز من اجتماع جلالته ـ أبقاه الله ـ بمجلس الوزراء هي أنَّ التَّنمية أصبحتْ مشروعًا جماعيًّا يتطلب أنْ يشاركَ فيه كُلُّ فرد من موقعه، فالتوجيهات السَّامية وضعتْ إطارًا واضحًا لمسار السنوات المقبلة، ورسمتْ ملامح طريق يتطلب وعيًا عميقًا بأنَّ المستقبل يصنع بتكامل الجهود بَيْنَ الدولة والقِطاع الخاص والمُجتمع، فكُلُّ وظيفة توجَد، وكُلُّ خدمة تُرَقَّم، وكُلُّ مصنع يُبنى، هو حلقة في سلسلة تُعزِّز قوَّة الاقتصاد وتمنح المواطن شعورًا بأنَّ جهده يثمر نتائج ملموسة، وهو ما يحتاج إلى شباب أكثر إقدامًا على الابتكار وريادة الأعمال، وشركات أكثر التزامًا بتوطين الوظائف وتطوير المهارات، وإدارات عامَّة أكثر قدرة على الاستماع لملاحظات النَّاس ومعالجتها بسرعة. فإذا تحققتْ هذه المعادلة، ستتحول رؤية «عُمان 2040» إلى واقع حي، حيثُ يجد المواطن تعليمًا نوعيًّا، وخدمات صحيَّة متقدِّمة، وبنية أساسيَّة تضاهي المعايير العالميَّة، واقتصادًا متنوِّعًا قادرًا على مواجهة الأزمات. لقد كان الاجتماع تذكيرًا بأنَّ هذه البلاد تملك من القوَّة والإرادة ما يجعلها قادرة على مواصلة الصعود، شريطة أنْ نؤمنَ جميعًا بأنَّ كُلَّ جهد نبذله اليوم ـ مهما بدا صغيرًا ـ هو لَبِنة في بناء وطن يستحق أنْ نفتخرَ به أمام العالم، وذلك في ظلِّ القيادة الحكيمة لجلالة السُّلطان المُعظَّم.