يؤسس قانون التنظيم العقاري، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (79 /2025)، لمرحلة مهمة في مسيرة القطاع، خاصة في هذه الفترة التي يشهد فيها القطاع الكثير من التطوير والتحديث في منظومته التشريعية، عبر مجموعة من التوجهات والأهداف الوطنية المتمثلة في تعزيز مكانة القطاع ودوره الاقتصادي، ورفع مساهمته في الناتج المحلي، وتمكينه ليقوم بأدواره الأساسية في الحياة الاجتماعية للفرد والمؤسسة والمجتمع.
ويأتي القانون الجديد ليواكب الحراك المتنامي في القطاع، عبر إيجاد حلول للعديد من الإشكاليات التي يعاني منها السوق العقاري، والتي طالما مثلت تحديا أمام المطورين والمستثمرين والمكاتب العقارية المرخصة، والتي عانت بدورها من ظواهر سلبية كالدخلاء، والمتنفذين، وتجار الشنطة، وغيرها من الجوانب التي أضعفت مكانة القطاع وحدت من قدرته على أداء دوره في المشهد الاقتصادي والاجتماعي والاستثماري.
إن التحولات التي يشهدها القطاع، وبروز العديد من مشاريع التطوير العقاري، واهتمام الحكومة بدعم المطورين، والعقاريين، والمثمنين المرخصين، هو أحد الجوانب الأساسية التي كانت تستدعي – بل تستوجب – إعادة ترميم القطاع، وفق آليات حديثة تتناسب مع احتياجات السوق، ومنظومة تشريعية وتنظيمية تستوعب تطلعات المستثمرين من داخل سلطنة عُمان وخارجها، وتؤمن بيئة استثمارية جاذبة ومشجعة، وتوجد تنوعا عقاريا يتناسب مع احتياجات جميع الفئات الباحثة عن الاستقرار.
لقد أبرز القانون الجديد مواد مؤسسة تتعلق بالإعلان والتسويق عن المشاريع العقارية، وأوجد شروطًا واضحة للراغبين من المطورين في دخول معترك السوق العقاري، ونظم آليات الترخيص للمكاتب العقارية ومزاولة مهنة التثمين، كما وضع إجراءات منظمة للبيع على الخارطة، بما يضمن حقوق جميع المتعاملين، إلى جانب تنظيمه لشروط التملك العقاري للأفراد والشركات. كل ذلك وغيره، يضفي على القطاع حالة من الاستقرار والنمو والحراك الذي تستهدفه الدولة، من خلال وجود قطاع عقاري فاعل ومتزن يتماشى مع أهداف رؤية عُمان 2040، التي يتمثل أحد مرتكزاتها في توفير البيئة السكنية المناسبة للمواطنين، عبر إيجاد خيارات إسكانية متنوعة في مختلف المحافظات، وتنمية القطاع بما يحقق الاستدامة والاستقرار للقطاع ويفتح آفاقا ارحب واسع للمواطن والمقيم.
إن أهمية القانون لا تتوقف عند كونه تشريعا تنظيميا ايضا، بل تتعدى ذلك إلى كونه محفزا مباشرا لنمو القطاع العقاري والاستثماري في سلطنة عمان. فهو يمهد الطريق أمام دخول مستثمرين جدد إلى السوق، من خلال توفير بيئة قانونية واضحة وعادلة تضمن الحقوق وتحدد الواجبات، وتحد من المخاطر القانونية والمالية التي كانت تثني البعض عن الدخول في هذا المجال، كما أن القانون يمثل أداة لحوكمة السوق العقاري بشكل متكامل، من خلال ضبط العلاقة بين الأطراف الفاعلة، وتعزيز الشفافية، وتوفير الضمانات اللازمة لتنفيذ المشاريع بجودة عالية، وفي إطار زمني واضح، وهو ما من شأنه تعزيز الثقة في السوق ورفع جاذبيته للمستثمر المحلي والأجنبي.
ولكي تكتمل منظومة التطوير العقاري، يبرز الدور المحوري للحكومة في دعم جهود التمويل وتوفير خيارات تمويلية متنوعة للمطورين والمستثمرين والمواطنين الباحثين عن الاستقرار السكني، سواء من خلال التعاون مع البنوك التجارية وشركات التمويل، أو عبر تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في المشاريع الكبرى، وتسهيل عمليات الدفوعات بأكثر مما هي عليه الآن ، كما ان توفير أدوات تمويلية مرنة سيسهم في إنجاح المشاريع وتوسيع نطاقها، وضمان استمراريتها، بما يحقق الأثر الاقتصادي والاجتماعي المرجو منها، سواء في توفير فرص العمل، أو تنشيط الأسواق المحلية، أو تعزيز البنية التحتية في مختلف المحافظات، وهو ما ينسجم تماما مع تطلعات الحكومة لتحقيق تنمية عمرانية شاملة ومستدامة.
مصطفى المعمري
كاتب عماني