الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 م - 23 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

أضواء كاشفة : حقوق الطفل العُماني

أضواء كاشفة : حقوق الطفل العُماني
الثلاثاء - 16 سبتمبر 2025 01:15 م

ناصر بن سالم اليحمدي


تحرص سلطنة عُمان منذ بداية عصر النهضة المباركة على الاهتمام بالطفل وتوفير كافَّة مظاهر الحياة الكريمة له، وإعطائه كافَّة حقوقه كاملة. ولقد قامت ـ في سبيل ذلك ـ بتبنِّي عدَّة مبادرات محليَّة ودوليَّة لحمايته، وقامت بالتوقيع على الكثير من المعاهدات والمواثيق الدوليَّة الَّتي تضمن حقوقه وتوفِّر له البيئة المناسبة لنُمو سليم خالٍ من العقد والمشاكل، سواء على المستوى الأُسري أو المدرسي أو المُجتمعي.

وتشهد البلاد حاليًّا حراكًا مُجتمعيًّا وحكوميًّا نَحْوَ الاهتمام بالطفل العُماني الَّذي يُعَدُّ الثروة الحقيقيَّة الَّتي تعوِّل عليها البلاد الأمل في النهضة والارتقاء.. فأطفال اليوم هم رجال المستقبل وبسواعدهم وفكرهم تنهض المُجتمعات، لذلك يَجِبُ أن ينشأ الطفل على المبادئ الصحيحة حتَّى تستقيمَ تلك المُجتمعات ويرتفع البنيان ويزدهر ويتحقق الاستقرار.

وقد اطلعت مؤخرًا على إحدى وسائل الحملة التوعويَّة بحقوق الطفل الَّتي أعدَّتها إحدى مُعلِّمات مدرسة رقيَّة للتعليم الأساسي في إطار مبادرة الدَّوْر الطلابي والمشاركة المُجتمعيَّة والَّتي حملت عنوان «حقوق الطفل واجب وطني ومسؤوليَّة مُجتمعيَّة» حيثُ عرضت بنود حقوق الطفل بطريقة شيقة وممتعة ومبدعة ومعبرة جدًّا.. تناولت فيها مبادئ الرعاية البديلة وحماية الطفل من العنف والاستغلال والإساءة ومواصفات إنشاء دار الرعاية الاجتماعيَّة ومندوب حماية الطفل.. كما تناولت حقَّ الطفل في الحياة والنُّمو والبقاء في إطار من الحُريَّة والكرامة الإنسانيَّة وعدم التمييز بسبب اللون أو الجنس أو الأصل أو اللُّغة أو الدِّين أو المركز الاجتماعي وغيره.. وكذلك حقّه في المشاركة وإبداء الرأي والتعبير والحصول على الاسم المناسب والانتساب والجنسيَّة والرعاية الصحيَّة الوقائيَّة والعلاجيَّة.. وغير ذلك من الحقوق الَّتي لا يسمح المجال لكتابتها كُلِّها.. ولم تغفل الدراسة أيضًا الطفل المعوق والأطفال الأيتام ومجهولي الأب أو الأبوين وغيرهم ممَّن لا عائل لهم.

لو نظرنا إلى دِيننا الحنيف نجد أنَّ حقوق الطفل في الإسلام مصدرها إلهي، فهي ليست منحة أو هبة من أحد أو قرار صادر من سُلطة محليَّة أو دوليَّة أو منظَّمة عالميَّة، وإنَّما هي شريعة الله سبحانه وتعالى، فهي دائمة الإلزام للجميع على السَّواء، فلا تقبل خرقًا ولا تعطيلًا، وذلك بعكس المواثيق الدوليَّة الَّتي تخضع لتوجيهات الدول والموارد والقِيَم الاجتماعيَّة الخاصَّة بها.. فالحفاظ على حقوق الطفل واجب على الوالدين بدءًا من اختيار الزوجين مرورًا بحقِّ الرضاعة والتربية والتأديب والحضانة والتعليم والمصادقة، وحقوقه الماليَّة وغيرها، وانتهاءً ببلوغه سن الرشد الَّتي يُعَدُّ فيها الإنسان كامل الرجولة أو الأنوثة.

وفي وطننا الحبيب فإنَّ حقوق الطفل مصانة، فحرصت الدولة على توفير الأمن والأمان والرفاهية له ولأُسرته دون تمييز، بالإضافة إلى التعليم بأحدث الوسائل والمناهج، والرعاية الصحيَّة الشاملة حتَّى يكبر ثم الحصول على الوظيفة المناسبة لمؤهلاته بعد التخرج، والَّتي تُحقق له العيش الكريم وتجعله عضوًا فعَّالًا في مَسيرة التَّنمية.

إنَّ حقوق الطفل في السلطنة ليست بنودًا جامدة في أوراق رسميَّة، بل روح تسري في تفاصيل المُجتمع ومؤسَّساته.. فالطفل في عُمان يُستقبل منذ ميلاده بقلوب تؤمن بأنَّ رعايته مسؤوليَّة جماعيَّة تحفظه القوانين وتحفُّه الأعراف، ويهبه الوطن فسحة لِينموَ آمِنًا في كنف العدل والرحمة.. يجسِّد ذلك التشريعات الَّتي تصون حقَّه في التعليم المجاني والجودة العالية ورعاية صحيَّة تمتد من القرى البعيدة إلى قلب المُدن ومبادرات تعلي صوته في المشاركة والتعبير لِيكُونَ شريكًا في صناعة الغد لا متفرجًا عليه.

لقد أثبتت المدارس في السلطنة أنَّها ليست جدرانًا من حجر، بل فضاءات للحلم والاكتشاف تشعل في عقل الطفل شرارة المعرفة وتحمي في قلبه وهج الانتماء وحُب الوطن وأيضًا تبصرته بكافَّة حقوقه وواجباته حتَّى يشبَّ وهو مدرك لحدوده الَّتي يتحرك بها في المُجتمع.. ولم يقف الاهتمام بالطفل عند حدود الخدمات، بل تعمق ليشمل حماية الطفل من كُلِّ أشكال العنف والإهمال.. إذ تتضافر الوزارات والمؤسَّسات المُجتمعيَّة لِتكُونَ درعًا واقيًا يصدُّ أيَّ مساس بكرامته أو أمانه.. وفي القرى والجبال كما في المُدُن والسواحل يجد الصغار أيديًا تمتد إليهم بالحنان، وعيونًا تسهر على سعادتهم.

إنَّ سلطنة عُمان لا تعدُّ حقوق الطفل منحة مؤقتة، بل رؤية حضاريَّة تستند إلى القِيَم الإنسانيَّة والإسلاميَّة، وترسم طريقًا لمستقبل تشرق فيه ابتسامة كُلِّ طفل.. فالوطن الَّذي يحمي طفولته اليوم يبني غده المشرق بقلوبٍ مؤمنة أنَّ الطفل هو بذرة الأمل وجذوة النور الَّتي لا تنطفئ.

إنَّ الجوانب المضيئة في مجال حقوق الطفل واضحة ساطعة كالشمس، ومَن يُرد الاطلاع عليها فليزُر السلطنة ساعتها سيرى ما يتمتع به الطفل في ظل العهد الزاهر من رفاهيَّة العيش والاطمئنان وراحة البال، والَّتي تُعدُّ أغلى ما يُمكِن أن يحصل عليه الإنسان.

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني