الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 م - 23 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : تكامل الجهود بين التخطيط الصناعي والبنية الأساسية

الثلاثاء - 16 سبتمبر 2025 04:30 م

رأي الوطن


تشهد سلطنة عُمان حراكًا متسارعًا في تطوير منظومة المناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة والمناطق الحُرَّة والمُدُن الصناعيَّة؛ باعتبارها منصَّات رئيسة لتنفيذ أهداف رؤية «عُمان 2040»، وتعزيز تنافسيَّة الاقتصاد الوطني، هذا الحراك يعكس إيمان الدَّولة بأنَّ التَّنمية الصناعيَّة منظومة متكاملة تشمل البنية الأساسيَّة، وتأهيل الكفاءات الوطنيَّة، وتوفير بيئة جاذبة للمستثمرين، بما يخلق فرصًا وظيفيَّة للشَّباب ويُعيد توزيع التَّنمية على المحافظات.. ومع اتِّساع رقعة هذه المناطق لِتشملَ (23) منطقة بَيْنَ قائمة وقَيْدِ التطوير، تبدو السَّلطنة وكأنَّها تُعيد رسم خريطة الاستثمار وفْقَ رؤية مدروسة تُوازِن بَيْنَ التنويع الاقتصادي والاستدامة، وتربط الاقتصاد المحلِّي بسلاسل الإمداد الإقليميَّة والعالميَّة عَبْرَ تعظيم الاستفادة من الموقع الاستراتيجي وسلسلة الموانئ والمطارات، الَّتي استثمرتْ فيها عوائد النفط لعقودٍ، ما يمنح المُجتمع إحساسًا بالثِّقة بأن التَّنمية تمضي باتِّجاه ينعكس على حياته اليوميَّة.

ويأتي توقيع مذكّرة التفاهم بَيْنَ الهيئة العامَّة للمناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة ومنظَّمة الخليج للاستشارات الصناعيَّة، كخطوة محوريَّة في هذا المسار، إذ تُمثِّل إطارًا مؤسَّسيًّا لنقْلِ المعرفة وتحديث الهياكل الصناعيَّة في المناطق الَّتي تشرف عليها الهيئة. فالمذكّرة تفتح الباب أمام تقديم الاستشارات الصناعيَّة للمؤسَّسات القائمة، وتطوير تجمُّعات صناعيَّة متخصِّصة، ودعم التحوُّل إلى تقنيَّات التصنيع الحديثة، بما في ذلك إعادة تأهيل خطوط الإنتاج وتدريب الكوادر الوطنيَّة، وهذا التعاون لا يقتصر على تحسين أداء المصانع فحسب، لكنَّه يُسهم أيضًا في حماية الوظائف القائمة وإيجاد وظائف جديدة، ويُعزِّز قدرة المشاريع الصَّغيرة والمُتوَسِّطة على الارتباط بالمشاريع الكبرى، ما يخلق منظومة إنتاج متكاملة تعطي دفعة للاقتصاد الوطني وتدعم استقراره، ما سينعكس بالطَّبع على رفاهيَّة المواطن في كافَّة رُبوع البلاد.

وتبرز مدينة المضيبي الصناعيَّة كمثال حي على هذا التَّوَجُّه، حيثُ سجَّلت خلال النِّصف الأوَّل من العام الجاري ارتفاعًا في عدد العقود الاستثماريَّة إلى (12) عقدًا بحجم استثمارات بلغ (11.6) مليون ريال عُماني، شملت قِطاعات حيويَّة مثل النفط والغاز والصِّناعات الغذائيَّة والإنشاءات والمواد الكهربائيَّة والأثاث المنزلي، ومن المنتظر أنْ يُشكِّلَ مشروع البنية الأساسيَّة للمدينة، الَّذي تبدأ أعمال تنفيذه خلال الشَّهريْنِ القادمين، نقلةً نوعيَّة في قدرتها على استقطاب مزيدٍ من الاستثمارات من خلال توفير شوارع داخليَّة وخدمات أساسيَّة متكاملة، تشمل شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والصَّرف الصحِّي، إضافةً إلى مبنى التسهيلات ومكاتب الموظفين ومجمَّعات مدائن الرياديَّة والزراعيَّة، ما يُعزِّز موقع المدينة كمنصَّة إنتاج، ويدعم مُجتمع شمال الشرقيَّة بتوفير فرص عمل جديدة، ويشجِّع روَّاد الأعمال المحلِّيين على الاستثمار في بيئة مهيَّأة للنُّمو.

إنَّ الرَّبط بَيْنَ هذه المبادرات يوضِّح أنَّ السَّلطنة تتحرك وفْقَ رؤية متكاملة لا تقتصر على جذب الاستثمارات، وإنَّما تمتدُّ لِتشملَ تهيئة البنية الأساسيَّة، وتقديم الحوافز التنافسيَّة مثل الإعفاء من الإيجار في السَّنوات الأُولى وتخفيض القِيمة الإيجاريَّة لاحقًا، ما يشجِّع المستثمِرِين على المُضي قُدمًا في مشاريعهم، وهذه الجهود ـ إلى جانب التَّعاون المؤسَّسي مع جهات استشاريَّة إقليميَّة ـ تُعزِّز من قدرة عُمان على توطين الصناعات الحديثة، وجذب سلاسل الإمداد المتقدمة، ما يضعها على مسار مستدام يُعزِّز حضورها الاقتصادي إقليميًّا ويزيد من مساهمتها في الصناعات المستقبليَّة. فالرُّؤية واضحة تعمل على الانتقال من مرحلة تطوير مناطق صناعيَّة إلى بناء منظومة إنتاج متكاملة قادرة على المنافسة، وهو رهان استراتيجي ينعكس أثَره على حياة النَّاس، ويمنحهم الثِّقة بأنَّ اقتصادهم ماضٍ نَحْوَ مستقبل آمِن ومزدهر.