الاثنين 15 سبتمبر 2025 م - 22 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

السمنة .. وسرطان النساء الخفي!

السمنة .. وسرطان النساء الخفي!
الاثنين - 15 سبتمبر 2025 01:08 م

د. يوسف بن علي الملَّا


في السنوات الأخيرة خرجت ملاحظات في عيادات النساء لتكشفَ حقيقة رُبَّما متروكة هكذا من غير اهتمام تتحدث عن معلومات يوميَّة من زيادة الوزن، وعدم انتظام الدَّوْرة الشهريَّة. وهنا أتحدث عن السُّمنة وكيف أنَّها أضحت في العقود الأخيرة مرتبطة بشكلٍ مباشر بزيادة خطر الإصابة بسرطانات النساء، خصوصًا سرطان بطانة الرحم وبعض أنواع سرطان المبيض.

بطبيعة الحال، الدهون في الجسم ليست مجرَّد خزان للطاقة، بل هي نسيج نشط يفرز هرمونات وعوامل التهابيَّة تؤثر على التوازن الداخلي للجسم. فعلى سبيل المثال، زيادة الأنسجة الدهنيَّة تؤدي إلى ارتفاع مستويات الإستروجين، وهو ما يخلق بيئة لتحفيز نمو خلايا بطانة الرحم بشكلٍ غير طبيعي. وهذا بشكلٍ وبآخر ما أشارت إليه الدراسات الحديثة مؤكدةً أنَّ خطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم قد يرتفع بما يقارب خمسين في المئة مع كُلِّ زيادة قدرها خمس وحدات في مؤشِّر كتلة الجسم. ورُبَّما هذا يجعل السُّمنة واحدة من أقوى العوامل القابلة للتعديل في الوقاية من هذا السرطان، خصوصًا مع تطوُّر مقاومة الإنسولين وارتفاع عوامل الالتهاب المزمنة في حالة السُّمنة، وكيف أنَّهما يضاعفان من احتماليَّة التحول الخبيث ويزيدان العبء الصحِّي في بعض الحالات!

أمَّا إذا ما تطرقنا إلى سرطان المبيض فالصورة تحتاج إلى اهتمام، خصوصًا وأنَّ التحليلات الطبيَّة مؤخرًا أوضحت ارتباطًا بَيْنَ السُّمنة وأنماط معيَّنة من هذا السرطان، بَيْنَما لم تجدْ أبحاث أخرى علاقة قويَّة. لكنَّ المؤكَّدَ أنَّ هنالك علاقة في معدَّل الوفيات ومؤشِّر كتلة الجسم فيما يتعلق بسرطاني الرحم والمبيض لدى النساء في سن الإنجاب. وهذا يوضح أنَّ الزيادة في معدَّلات السُّمنة بَيْنَ الأجيال الشابة ـ إن صحَّ التكهن بذلك ـ لن تمرَّ دُونَ انعكاس مباشر على معدَّلات هذه السرطانات خلال العقود القادمة.

لا سِيَّما وأنَّ في بلداننا العربيَّة والبلدان المشابهة نشهد انتقالًا غذائيًّا سريعًا لم تلحق به البنية الصحيَّة ولا برامج الوقاية. وها هي الأغذية فائقة التصنيع متاحة أيضًا في مُدننا ومحافظاتنا، والمشروبات السكريَّة تنتشر بكثرة، والأنماط الحضريَّة تحدُّ من النشاط البدني، ما جعل السُّمنة لدى النساء وحتَّى الأطفال واقعًا يوميًّا ندركه جميعًا!

لذلك فالتعامل مع هذا التحدِّي يتطلب مقاربة متعددة المستويات. فعلى مستوى المُجتمع ـ مثلًا ـ يُمكِن للسياسات الغذائيَّة الذكيَّة أن تغيِّر الاتجاه، كوضع ملصقات واضحة على المشروبات الغازيَّة، وتقييد التسويق الموجَّه للأطفال، وتوفير خيارات صحيَّة في المدارس والمستشفيات. وهنا بالفعل أثبتت التجارب الدوليَّة أنَّ هذه الإجراءات تقلِّل تدريجيًّا من استهلاك السّعرات العالية غير المفيدة. أمَّا في عيادات النساء فيَجِبُ أن يصبحَ قياس مؤشِّر كتلة الجسم ممارسة روتينيَّة لا تقلُّ أهميَّة عن قياس الضغط أو السكَّر، وأن يتمَّ استثمار كُلِّ زيارة للمرأة، سواء بعد الولادة أو أثناء متابعة وسائل تنظيم الأُسرة أو في حالات مثل متلازمة تكيُّس المبايض لتقديم استشارات غذائيَّة وخطط حقيقيَّة لفقدان الوزن.

وهذا يأخذنا إلى منحنى آخر، ألا وهو التشخيص المبكر. فعلى سبيل المثال، المرأة الَّتي تعاني من نزف رحمي غير طبيعي مع مؤشِّر كتلة مرتفع يَجِبُ ألَّا تترك دُونَ فحص تصويري وخزعة بطانة، فكُلُّ تأخير يزيد من احتماليَّة التحوُّل الخبيث، بل إنَّ التدخل المبكر في حالات فرط تنسج البطانة مع برامج خفض الوزن يقلِّل بشكلٍ ملموس من خطر السرطان. وهنا ندائي لكُلِّ أُمٍّ وأُخت وزوجة ألَّا يُحرجنَ من وصمة السُّمنة فيتجنبنَ مراجعة الأطباء خشية التعليقات أو الإحراج؛ لأنَّ هذه ستكُونُ الكارثة! لذلك يَجِبُ ودائمًا على الزملاء والأبناء من الكوادر الطبيَّة تَبنِّي خطاب إنساني رحيم بعيد عن اللوم، يركِّز على الحلول التدريجيَّة الممكنة بدل التركيز على الذَّنْب.

ختامًا، هنالك دراسة بَيَّنَت أنَّ خمس وحدات إضافيَّة في مؤشِّر كتلة الجسم قد ترفع خطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم بمقدار النِّصف! فكيف إذا تركت هذه الأرقام دُونَ مواجهة؟ ألا نعي أنَّها ستترجم إلى وفيات مبكرة، ومعاناة أُسريَّة، وتكاليف علاجيَّة أكثر! وعليه، فرسالتي هنا إنسانيَّة قَبل أن أقولَ بأنَّها طبيَّة. لا أتحدث عن أرقام، بل عن حياة أُمَّهات وبنات وأخوات يُمكِن أن تنقذَ بخطوات واقعيَّة ووقائيَّة يدركها الجميع... فلنتأمل فيها ولنبدأ بها!

د. يوسف بن علي الملَّا

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي

[email protected]