جلستان وتسع أوراق بحثية فـي يومها الأول
حمد الضوياني: ظفار حاضرة عمانية قامت على أرضها الطيبة حضارة امتدت
لقرون عديدة وشكلت اهتماما فـي ثنايا التاريخ العماني

صلالة ـ «الوطن »:
بدأت صباح أمس جلسات الندوة العلمية «ظفار في ذاكرة التاريخ العُماني»، والتي تنظمها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، على مدى ثلاثة أيام تعقد خلالها سبع جلسات علمية يطرح فيها 33 بحثًا وورقة بحثية يقدّمها مجموعة من الباحثين والأكاديميين من داخل سلطنة عُمان وخارجها، وتغطي ألأوراق المقدمة خمسة محاور رئيسة هي: التاريخي والسياسي، والاقتصادي والاجتماعي، والثقافي والعلمي، والوثائق والمخطوطات والرواية الشفوية. رعى افتتاح الندوة صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، بحضور رسمي واسع، ومجموعة من المدعوين والباحثين والمهتمين. وقال سعادة حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في كلمة له في حفل الافتتاح: «دأبت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية على التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية والفكرية لسلطنة عُمان وتاريخها التليد، فعُمان عبر تاريخها العريق أسهمت في بناء فكراً وثقافة وقدمت أروع الأمثلة في التسامح والاحترام، وفتحت مجالاً واسعاً من العلاقات مع دول العالم وفق مبادئ راسخة وثوابت قائمة على السلام والوئام وحُسن التعامل ونشر الطمأنينة والأمان».
مضيفا: «تعقد هذه الندوة في محافظة ظفار العريقة ومجدها وأصالتها ودورها التاريخي، فهي حاضرة عُمانية قامت على أرضها الطيبة حضارة امتدت لقرون عديدة وأضحت موطناً تجارياً ومعبراً في التواصل التجاري والثقافي والاجتماعي فكانت محافظة ظفار بولاياتها محوراً مهماً من محاور الأحداث العمانية وشكلت أهتماماً في ثنايا التاريخ العماني دون انقطاع لحقب عديدة، وضربت أروع المثل في المد البشري والعسكري منذ أن أطلق الإمام الصلت بن مالك الخروصي حملته العسكرية لمواجهة الغزاة في سقطرى فكان قوام جيشه ومدده العسكري ساهم معظم المدن الساحلية فكان لهذه المحافظة وأهلها السند المتين والتمكين القويم لتحقيق النصر المبين، كما أنها اليوم تنعم كغيرها من محافظات سلطنة عُمان بنهضة مباركة في مختلف مجالات الحياة». وألقى الشاعر حمود بن علي العيسري، قصيدة حملت عنوان «هتاف في سمع الزمان».. ومما جاء فيها:
إِنَّنِي فِي ظُفَارَ وَالحَقُّ يَقْضِي
أَنْ أُغَنِّي لَهَا بِأَوْتَارِ شِعْرِي
يَعْلَمُ اللهُ أَنَّهَا كَحَلُّ عَيْنِي
وَضِيَائِي وَبَوْحُ سِرِّي وجَهْرِي
أَبْدَعَ اللهُ سِحْرَهَا وَحَبَاهَا
مِنْ لَدُنْهُ آيَاتِ حُسْنٍ وَسِحْرِ.
جلسات اليوم الأول
استهلت جلسات اليوم، بجلسة أدارها الدكتور علي بن سعيد الريامي، وقدمت خلالها خمس أوراق بحثية، حملت الورقة الأولى عنوان (ظفار مسمياتها التاريخية والاستيطان البشري القديم حسب المصادر التاريخية ونتائج التنقيب الأثري)، قدمها الباحث في التاريخ العماني سعيد بن خالد العمري، ناقش عبرها أسماء ظفار ومسمياتها التاريخية، والاستيطان البشري القديم في ظفار حسب ما ذكرته المصادر المكتوبـة والنقشـية ونتائـج التنقيبـات الأثريـة، متتبعا حركـة الاسـتيطان البشـري القديـم فـي ظفـار والعوامل المناخية المؤثرة حسـب نتائج المسـح الأثري، مشيرا إلى وجود أسماء ومسميات قديمة عرفت بها ظفار مثـل سـأكلن وأرض اللبـان وبلاد الشـحر والأحقـاف.
وقدم الدكتور حبيب بن مرهون الهادي أخصائي مناهج التاريخ، في وزارة التربية والتعليم ورقة حملت عنوان (ظفـار فـي نهايـات العصـور الوسـطى.. دراسـة فـي الوثائق الصينية)، تناول ا ذكرته الوثائق الصينية عن ظفار في الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، مشيرا أن العلاقات مع الحضارة الصينية في أقصى الشرق، امتدت منذ العصور القديمة، فقد ورد في الحوليات الصينية بأن إمبراطور الصين احتكر تجارة اللبان الظفاري، وفي العصور الوسطى ازدهرت تلـك العلاقـات فـأوردت الحوليـات الصينيـة فـي وثائقها أسـماء بعـض حكام ظفـار وسـفرائها لـدى الصيـن، وقـد بلغـت تلـك العلاقـات أوجّهـا أثنـاء رحلات الأسطول الصيني إلى البلاد العربية في بدايات القرن الخامس عشر الميلادي بقيادة الأدميرال المسلم شمس الدين تشنغ خه.
وتتبع الباحث سالم بن أحمد الكثيري معلم مادة التاريخ، في وزارة التربية والتعليم، في ورقته زيارة السفينة الإنجليزية بالينرز لإقليم ظفار بين عامي 1833 و1846م.. ، متناولا فترة هامة في تاريخ العلاقات العُمانية - البريطانية، من خلال تتبع مسارات السفينة الإنجليزية ونتائجها المباشـرة وغيـر المباشـرة، وتقييـم أهميتهـا التاريخيـة فـي سـياق التفـاعلات الإقليميـة والدوليـة فـي القـرن التاسـع عشـر.
وتناول الدكتور جين هان، جونغ أستاذ مساعد بجامعة آنيانغ في كوريا الجنوبية، طريق اللُبان من ظفار إلى كوريا: طريق الحرير البحري والشـريان الحيـوي للتواصـل الحضـاري بيـن الشـرق والغرب، محاولا إثبـات أن (طريـق اللبـان) امتـد من مركزه في ظفار وصولًا إلى كوريا، أقصى نقطة شرقية مما يبرز بُعـدًا جديـدًا للتبادل بين الشرق والغرب، وسلط الضوء على اللبان الذي يكتسب المعاني المتعددة للأديان من خلال دوره كذخيرة مقدسة في البوذية.
واستعرض الدكتور موسى بن سالم البراشدي أستاذ مساعد بجامعة السلطان قابوس، ظفار في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي، ودوره فـي مواجهـة البرتغالييـن ووصول قواته إلى ظفار وما ترتب على ذلك من علاقات بينه وبين الإمامة الزيدية في اليمن، من خلال المراسلات بين الإمامتين آنذاك.
الجلسة الثانية، حملت أربع ورقات بحثية، وأدارها الدكتور أحمد بن علي المعشني، واستهلت مع ورقة الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية مشرف أول تاريخ، المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة شمال الشرقية، وقدمت دراسة وثائقية عن (جزر كوريا موريا في التاريخ العُماني)، حيث لعبت جزر كوريا موريا (الحلانيات) دورا مهماً في التاريخ العُماني، وتحديدا بين عامي 1854م بتنازل السيد سعيد بن سلطان عنها للحكومة البريطانية ووصولا لعام 1967م عندما عادت سيادتها إلى سلطنة عُمان في عهد السلطان سعيد بن تيمور.
وكشفت الورقة الأبعاد التاريخية والسياسية التي جعلت من هذه الجزر نقطة محورية في التاريخ الجيوسياسي والاستراتيجي للمنطقة، ودور الجـزر فـي رسـم السياسـات الخارجيـة لعُمـان.
وقدم الدكتور عبدالعزيز بن حميد المحذوري مديـر دائـرة التاريـخ الشـفوي، في هيئـة الوثائـق والمحفوظـات الوطنيـة، ورقة عن (التحصينات العسكرية في ظفار في عهد الدولة البوسعيدية)، وذلك بهدف توثيق هذه المنشـآت وإبـراز أهميتهـا التاريخيـة والمعماريـة وما لعبته من أدوار عسـكرية وإداريـة مهمـة، الأمـر الـذي يعكـس حـرص الدولـة البوسـعيدية علـى تعزيـز وجودها الاستراتيجي، وكذلك إبراز ما أدته هذه التحصينات من أدوار اجتماعيـة واقتصاديـة مهمـة تعكـس مكانـة ظفـار كمركـز حيـوي للأحـداث التاريخية ويُساهم في تعزيز السياحة والحفاظ على التراث الثقافي.
وقدم الدكتور العروسي بن علي الميزوري أستاذ تعليم عال متقاعد، ووزير الشّؤون الدّينيّة الأسبق في الجمهورية التونسية، ورقة حملت عنوان (محافظة ظفار في الدّراسات الفرنسيّة المعاصرة)، وذلك بهدف إثراء رصيد محافظة ظفار المعرفيّ التّوثيقيّ المدوّن باللّغة الفرنسيّة، متتبعا عدة محاور تمثلت في تصنيف الدّراسات الفرنسيّة المتعلّقة بـظفار، وحضورها في الدّراسات المعجميّة والموسوعيّة الفرنسيّة، والموسوعة الإلكترونيّة المفتوحة (ويكيبيديا)، النّسخة الفرنسيّة، وفي الدّراسات الأثريّة والتّاريخيّة الفرنسيّة، والدّراسات الاجتماعيّة والاقتصاديّة الفرنسيّة، والدّراسات الفرنسيّة ذات الطّابعين السّياحيّ والإعلامي.
واختتمت جلسات اليوم الأول مع ورقة الدكتور ناصر بن سيف السعدي أستاذ التاريخ والثقافة والتراث المساعد، في كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج، بجامعة نزوى، بورقة حملت عنوان (ظفـار فـي نصـوص تـراث الشـمال العُمانـي: تمـثلات الاقتصاد والسياسة)، من خلال محـاور رئيسـية: أولا، ظفار كحد جغرافي لعُمان من خلال تحليل نصوص شعرية تصورها كامتـداد طبيعـي وسياسـي. وثانيـا، ظفـار فـي السـردية السياسـية العُمانيـة عبر دراسة تمثيلاتها في النصوص والمراسلات السياسية وعلاقتها بالسلطة المركزية. وثالثا، ظفار في المخيال الاقتصادي العُماني، مع التركيـز علـى دورهـا التجـاري فـي تصديـر اللبـان والعنبـر وتحليـل النصـوص الفقهية التي أسهمت في رسم صورتها كمركز اقتصادي.
جدير بالذكر، أن الندوة سعت إلى التعريف بالدور التاريخي والحضاري لمحافظة ظفار، وإبراز انعكاس هذا الدور على التاريخ العُماني في مختلف مراحله، وذلك من خلال دراسة المصادر التاريخية المتنوّعة التي تشمل الوثائق والمخطوطات والروايات الشفوية. كما تسعى إلى إبراز إسهامات أبناء ظفار في مسيرة الحضارة العُمانية والإنسانية، وإلقاء الضوء على الحضارات القديمة التي قامت في المحافظة وما تركته من آثار وشواهد ماثلة إلى اليوم.
يشار إلى جلسات الندوة، ستتواصل اليوم الأثنين وغدا الثلاثاء لتغطي بقية الأوراق، حيث ستتناول موضوعات متنوعة في التاريخ العُماني، والاقتصاد والمجتمع، والثقافة والعلوم، إضافة إلى دراسات متعمقة في الوثائق والمخطوطات والرواية الشفوية، بما يعزز حضور ظفار في ذاكرة التاريخ العُماني ويفتح آفاقًا أوسع للبحث العلمي.


