إن طبيعة النفس ضعيفة تمرُّ بلحظات ضعف بشكل مستمر، قد تؤدي بالإنسان إلى ارتكاب سلوكيات خاطئة مثل: الكذب، السرقة، خيانة الأمانة، الرذيلة، الطمع...
وغيرها من السلوكيات التي لا تمت للقيم الإسلامية وأخلاقيات التعامل الراقي بصلة.
وعندها يقول الإنسان: «سولت لي نفسي»، وهي عبارة قرآنية بليغة في المعني، تصف تجميل النفس للخطأ عن طريق صنع المبررات الزائفة له.
النفس دائمًا تدور حول ذاتها في محور صراع ما بين الفضيلة والخطيئة، منذ عهد النبي آدم عليه السلام فهو في صراع بين الرغبات والعقل وما بين الشهوات وضبطها، بين ما تميل إليه النفس وما ترغبه الروح، وبين صوت الحق ونداء الباطل.
قال سبحانه وتعالى في سورة يوسف الآية رقم ١٨«بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل» وقد تكررت كلمة (سولت) في القرآن الكريم بصيغ مختلفة.
فالنفس تميل إلى الراحة والهوى وإلى متاع الدنيا، ولديها قدرة مدهشة على جعل الخُلق القبيح يبدو جميلًا بل في أبهى صور الفضيلة، على الرغم من قناعة العقل الباطن بأن ذلك الفعل ذنب، وأنه خطأ ويقود إلى أذية الذات والآخرين، وإلى معصية الله، ولا بد للإنسان أن يدرك أن تبرير الخطأ بتزيينه لا يؤدي إلا إلى تكراره، وأن عليه أن يضبط نفسه وألا يسمح لها بتجميل الخطيئة، حتى لا يجد نفسه في النهاية يقول: «سولت لي نفسي». فإذا ارتقى الإنسان عن الخطأ، استطاع حينها أن يصل في مجال تنمية الذات إلى مرتبة إدارة النفس.
وهي مرحلة صعبة، تبدأ بالاعتراف بالذنب ثم التوبة والرجوع إلى الله، فالمحاسبة والمواجهة مع النفس، ثم الصبر على عدم تكرار الفعل، حتى يصل إلى تزكية الروح وضبطها.
ويبلغ النجاح الحقيقي في إدارة النفس بكسب رضا الله سبحانه وتعالى.
إن النجاح في الحياة لا يبدأ - كما يظن الكثيرون - بإدارة الوقت، أو التفوق العملي والعلمي، ولا يُقاس بنجاح العلاقات الاجتماعية، بل يبدأ من إدارة النفس.
فالعائق الأكبر أمام مسيرة الإنسان نحو طموحه هو ذاته غير المنضبطة.
فإذا نجح في إدارة نفسه وضبطها عن ماديات الدنيا، يصل إلى النجاح المنشود.
قال تعالى في سورة الشمس الآيتان (رقم ٩-١٠) «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها». وهناك آليَّة أخرى ذكرها القرآن الكريم في خداع النفس للذات وتزيين الخطيئة، ألا وهي في قوله تعالى: «إن النفس لأمارة بالسوء» من سورة يوسف (الآية رقم ٥٣). ومن زاويتي الخفية أرى معادلة عجيبة! كيف تستطيع النفس أن تجمل الفعل القبيح حتى يراه الإنسان بأبهى صور الجمال، ثم تأمره بفعله فيستسلم لها ويستمتع بالخطأ كأنه أحد انتصاراته!
إنَّ عبارتي «سولت لي نفسي» و«النفس لأمارة بالسوء» ليستا مجرد آيتين، بل هما تجسيد للواقع الإنساني.
فالنفس قادرة على أن تخدع صاحبها، رغم وعيه ويقينه بأنَّ ما يفعله باطل.
وقد علمتني هاتان الآيتان ببلاغتهما...
أن إدارة الذات من أهم القوانين التي يجب التمسك بها.
وأنَّ ضبط النفس، ومحاسبتها، والاعتراف بالخطأ، وتزكية الروح، هي ما يوصل الإنسان إلى التوازن بين القلب والعقل، وبين النفس والروح، وعندها فقط يدرك أنَّ إدارة النفس وضبطها هما المفتاح الحقيقي لباب حياة متوازنة، مشرقة بنور الطمأنينة.
رفيف بنت عبدالله الطائية
كاتبة عمانية