السبت 13 سبتمبر 2025 م - 20 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

أبناؤنا بين التعلم التقليدي والتعلم الرقمي

أبناؤنا بين التعلم التقليدي والتعلم الرقمي
السبت - 13 سبتمبر 2025 01:05 م

نجوى عبداللطيف جناحي


بعد أن أغلقت المدارس أبوابها خلال الإجازة الصيفيَّة، وغابت أصوات أجراسها، وبعد سكون الطلاب في بيات صيفي استمرَّ لمدَّة ثلاثة أشهر، ظلَّ خلالها الأبناء معتكفين أمام أجهزة الآي باد والهواتف الذكيَّة واللاب توب، عاد أبناؤنا لمقاعد الدراسة، وأقرعت المدارس أجراسها معلنةً بدء العام الدراسي، واكتظت الشوارع بالسيَّارات المسرعة صباحًا الَّتي تتسابق على أبواب المدارس للوصول قَبل قرع الجرس، وفتحت المحال التجاريَّة واجهاتها لتعرض الملابس المدرسيَّة والحقائب والقرطاسيَّات، وعادت الحيويَّة والحياة للأحياء والحلل، وعادت أجواء التوتُّر للأُسرة لتؤدي الأُمُّ دَوْر البطولة فتطلق الأُمُّ صفَّارات الإنذار والنفير، ها قد عُدنا للدراسة، فشمروا عن ساعد الجد، حيثُ تبذل الأُمُّ الجهد الكبير لحثِّ الأبناء على النَّوم مبكرًا؛ كَيْ يتمكنوا من الاستيقاظ المبكر، وتهرع في الصباح الباكر لتجهز ملابس الأبناء ووجباتهم المدرسيَّة، ثم تفتح باب غرفهم مؤذنةً لهم بالاستيقاظ للذهاب للمدرسة، وتبدأ المشادَّة بَيْنَ الأُمِّ وبَيْنَ مخدَّة الأبناء، فالأُمُّ تشدُّهم للاستيقاظ والذهاب للمدرسة بنشاط، والمخدَّة تدعوهم للاسترخاء، فيظلُّ الأبناء في صراع بَيْنَ النداءَيْنِ، لِينتهيَ الأمر لامتثالهم كرهًا لنداء الأُمِّ! وبعد عودة الأبناء من المدرسة تبدأ الأُمُّ جولة جديدة في الشَّدِّ والجذب، فالأُمُّ تشدُّ أبناءها نَحْوَ حقيبتهم المدرسيَّة لحلِّ واجباتهم المنزليَّة، وحفظ الدروس واستذكارها، وتدريبهم على حل المسائل الرياضيَّة، وفي المقابل تناديهم أجهزة الهواتف النقالة، وأجهزة الآي باد والألعاب الإلكترونيَّة لِيشتتَ انتباه الأبناء بَيْنَ النداءَيْنِ، وتظلُّ الأُمُّ المسكينة في قلق وتوتُّر وجهد جبَّار لحثِّ أبنائها على التعلم. فالخوف كُلُّ الخوف من أن يُبتلى أبناؤها بالأُمِّيَّة أو بضحالة الثقافة في عالم انفجار المعرفة.

ولكن خلْفَ هذا الشَّدِّ والجذب معادلة غريبة، نجد أنَّ الأبناء يتعلمون ويكتسبون المعارف والمعلومات، في مجالات مختلفة، سواء معلومات جغرافيَّة أو صحيَّة أو حتَّى في مجال تعلُّم اللُّغات وفي مجال ريادة الأعمال، بل إنَّهم يدخلون عالم المعرفة من أوسع أبوابه، فيكتسبون الخبرات من شتَّى بقاع العالم، ونافذتهم للمعرفة والخبرات تلك الأجهزة الَّتي تخافها الأُمُّ وتَعدُّها سببًا لصرفهم عن الدراسة والمذاكرة، وهي سبب فشلهم في حياتهم الدراسيَّة والمهنيَّة، إنَّها الهواتف النقَّالة، وأجهزة الآي باد والألعاب الإلكترونيَّة، إنَّهم يكتسبون من خلالها مهارات لا يعرفها الآباء أنْفُسهم. والأغرب من هذه المعادلة أنَّ ما يتعلمه الأبناء من مهارات في وسائل التكنولوجيا متطلب أساس للعيش في العالم الرقمي، هم بحاجة لها أكثر من المهارات والمعلومات الَّتي يتعلمونها في الكتب الدراسيَّة، هم يُتقنون استخدام البرامج الرقميَّة بحيثُ يستطيعون تسيير أمور حياتهم أكثر من تلك القدرات الَّتي يمتلكها آباؤهم، بل إنَّ آباءهم يستعينون بهم، فهم أقدر على حجز تذاكر السفر، وتخليص المعاملات إلكترونيًّا، وتقديم الطلبات، وشراء الحاجات من أيِّ مكان في العالم، وتجديد الرُّخص، بل وحتَّى حضور دروس تقوية، والحصول على برامج تدرّب على حل المسائل، وإنجاز المشاريع، فمهاراتهم في مجال العالم الرقمي تُسهل حياتهم وتساعدهم على نَيْل مرامهم، فإن صرفناهم عنها عاشوا منعزلين عن واقعهم، وباتوا غرباء في هذا العالم.

فيسأل الابن أُمَّه: لماذا عليَّ أن أحفظ المعلومات الواردة في كتُب الاجتماعيَّات وتلك المعلومات متاحة بَيْنَ يدَي في هاتفي أرجع لها متى احتجت وفي أيِّ وقت؟!! فأنا أختار المعلومات الَّتي أحتاجها في حياتي وأبحث عنها. لماذا أتدرَّب على الحساب الذِّهني وبَيْنَ يدَي برامج تحلُّ أصعب المعادلات في ثوانٍ قليلة؟!! وكأنَّكم تطلبون منِّي أن أتدرَّب على ركوب الحصان والحمار بدلًا من أن أتدرَّب على سياقة السيَّارة، أو أن أطبخ على الحطب في زمن يطبخ الناس فيه على الأفران؟! فدعونا نتعلم ما نحتاجه في زماننا، وليس ما كنتُم تحتاجونه في زمانكم. فالآباء يصارعون لا لِيفوزَ أبناؤهم بالعِلم والمعرفة، بل ليحصل أبناؤهم على الدرجات الَّتي هي مفتاح دخولهم للجامعة، ثم للشهادة الجامعيَّة الَّتي بها يحصلون على الوظيفة. والواقع أنَّ ما يُمكِّن الأبناء من التميُّز في الحياة المهنيَّة والاجتماعيَّة هو تلك الخبرات والمهارات الَّتي يحصلون عليها من عالم التكنولوجيا.. فعلًا مفارقة!!!!

لا أدري أهو صراع الأجيال؟! أم أنَّه سرعة التطور في زمن الذَّكاء الاصطناعي، تلك السرعة الَّتي صنعت فجوة كبيرة بَيْنَ الأجيال، أم أنَّ الآباء أبطأ من أن يُدركوا التغيُّرات الَّتي يعيشها أبناؤهم؟! وعلى أيِّ حال، فعلى الآباء بناء معادلة متوازنة بَيْنَ التعليم والتعلم التقليدي، وبَيْنَ التعليم والتعلم في العالم الرقمي، وهو التعلم الذَّاتي، فخير الأمور أوسطها... ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.

نجوى عبداللطيف جناحي

كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية

متخصصة في التطوع والوقف الخيري

[email protected]

Najwa.janahi@