في ظل تسارع وتيرة التحولات الجيوسياسيَّة والاقتصاديَّة على مستوى العالم، يتضح للمراقبين الاقتصاديين بروز نمط متطور من تحشيد العلاقات السياسيَّة كرافعة اقتصاديَّة متمثلة في مقدرات سلطنة عُمان على حُسن توظيف علاقاتها السياسيَّة مع مختلف دول العالم لخدمة النُّمو والتطور الاقتصادي بها.
هذا التحشيد ذو الطابع الاقتصادي في تقديري يُعَد شكلًا متطورًا من أشكال تمكين الازدهار الَّذي تعيشه البلاد بشكلٍ عملي حيثُ باتت سلطنة عُمان اليوم «قوَّة جيواقتصاديَّة» هادئة تراهن على الاقتصاد بوصفه أداة استراتيجيَّة لتعزيز تموضعها الإقليمي والعالمي.
لقد اشتهرت سلطنة عُمان طوال عقود بِدَوْرها الريادي كوسيط سياسي محايد، غير أنَّها لم تنكفِ على نجاحاتها في الوساطة الَّتي تقود دائمًا لتحقيق الأمن والسلام للأطراف المستهدفة بتلك الوساطة، بل استلهمت وأدركت متطلبات عصر تتحكم فيه الاستثمارات الضخمة وسلاسل التوريد بموازين القوَّة.
ومن الواضح أنَّ عُمان اتجهت نَحْوَ تفعيل أعمق لأدواتها السياسيَّة والاقتصاديَّة عَبْرَ اتفاقيَّات ومذكّرات تعاون شملت اتفاقيَّة للتجارة الحُرة مع أميركا وبحث سبل التعاون مع روسيا، واستثمارات مع عديد الدول ذات الوزن الاقتصادي بالمنطقة والعالم، فتدفقت على أثر ذلك استثمارات صينيَّة ضخمة في الدقم واتفاقيَّات اقتصاديَّة مع بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، متضمنة اتفاقيَّات لتعزيز التعاون في الطاقة النظيفة والتكنولوجيا، وتجنب الازدواج الضريبي لتعزيز الشراكات التجاريَّة والاستثماريَّة.
كما شملت أيضًا اتفاقيَّات ومذكّرات تعاون وأحجام تبادل تجاري بمليارات الدولارات مع السعوديَّة والإمارات والكويت وقطر والبحرين والعراق وغيرها مما يعني بأنَّ عُمان متموضعة بقلب المنظومة الخليجيَّة من بوَّابة الاقتصاد.
كما يكشف الاتفاق الأحدث بَيْنَ السلطنة والعراق لتخزين النفط في الدقم بسعة أوليَّة (10) ملايين برميل عن مقاربة مغايرة تعني بأنَّ عُمان لم تَعُدْ تنظر إلى النفط كسلعة للتصدير فقط، بل كبنيَّة أساسيَّة إقليميَّة لتجارة الطاقة، فضلًا عن أنَّه ترسيخ لموقع الدقم كمحور استراتيجي مهمٍّ.
كما يتمثل التحشيد الجيواقتصادي كرافعة اقتصاديَّة أيضًا في تحوُّل آخر أكثر جرأة يُمثِّله الرهان على الهيدروجين الأخضر، إذ وقَّعت سلطنة عُمان اتفاقيات بمجال الهيدروجين الأخضر تصل إلى (20) مليار دولار، بهدف إقامة أحد أكبر مراكز إنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم وذلك لإنتاج (1.1) مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، وهو رقم كفيل بتحويل السلطنة إلى لاعب رئيسٍ بسوق الطاقة النظيفة.
ويُمكِن تأكيد نجاحات سلطنة عُمان في استثمار علاقاتها اقتصاديًّا مع مختلف الدول الشقيقة والصديقيَّة عَبْرَ الاستعانة بالإحصاءات الرسميَّة الَّتي توضح بأنَّ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لسلطنة عُمان خلال السنوات الخمس الماضيَّة حققت زيادة تجاوزت (17.6) بالمئة لتبلغ القِيمة التراكميَّة للاستثمارات الأجنبيَّة المباشرة (26.677) مليار ريال عُماني حتَّى الربع الثالث من عام 2024.
طارق أشقر
من أسرة تحرير «الوطن »