الخميس 18 سبتمبر 2025 م - 25 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

فلنتراحم بيننا «1»

الأربعاء - 10 سبتمبر 2025 01:30 م
10

أيها الأحباب.. لقد أرشد ديننا الحنيف إلى أفضل الأخلاق وأكمل الآداب وأجمل الصفات، ومن تلك الصفات الطيبة التراحم بيننا لتعمَّ بيننا الرحمات، فالرحمة جزء من الكمال الفطري وطبع من الجمال الخلُقي، وقد فتح الله تعالى على الدوام للمتراحمين خزائن رحمته في كل الأوقات، وعمنا جوده سبحانه من كل باب، بل وسع سبحانه جميع الخلائق برحمته سبحانه هو أرحم الراحمين، وقد وصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) تلك الرحمة لله تعالى فقال:(جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ) (صحيح البخاري، رقم: 6000)، (صحيح مسلم، رقم: 2725)، وعمَّ سبحانه كل من خلق بنعمته، ممن آمن به ومن كفر، ومن اتقاه وأطاعه ومن جحده وكفره فقد وسعت رحمته كل شيء، فمن كان حظه من الرَّحْمَة كبيرًا كانت درجته عند ربه أعلى، كما أنها سبب لمغفرة الله تبارك وتعالى له وكريم عفوه به، كما أنَّ نقيضها يتسبب في سخط الله للعبد، واستحقاق لعذابه ـ عياذا بالله ـ وتتجلى أهمِّية الرحمة في أنَّ الله عزَّ وجلَّ سمَّى نفسه بها، واتصف سبحانه بها، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ:(قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) (صحيح البخاري، رقم: 5999)، كيف لا؟ وهو رحمان الدنيا والآخرة ورحميهما، (نَبِئ عِبادي أَنّي أَنا الغفورُ الرَّحيم) (الحجرـ 49)، وقال أيضًا:(كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ..) (الأنعام ـ 54)، وفى الحديث القدسي:(إنَّ رحمتي تغلبُ غَضبي) (صحيح البخاري، رقم: 3194)، (مسلم، رقم: 2751).

فرحمة الله تعالى سببٌ للتواصل بين الله وبين عباده، بها أرسل رسله إليهم، وأنزل كتبه عليهم، وقد كان أنبياء الله ورسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أشدُّ النَّاس رحمة، وكان خاتمهم رسولنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفرهم حظًا من الرحمة بالناس لله ويرحم صغيرهم، ويلطف بهم يوسع عليهم ما ضاق بهم، ويخفف عنهم آلامهم ويواسيهم في أحزانهم، وكان يعطف عليهم، فلا يجد أجد منه إلا الرحمة، حمّل ـ صلى الله عليه وسلم ـ للناس مشاعل البر، فهبّ عليهم بوجوده ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبتعامله معهم نسيم عليل ترطّبت به جفوة الحياة، وروي به عطشها، وتأنست به الأفئدة، وتجمعت القلوب على حبه إلا من حاقد، بعثه ربه بقلب فياض بالعلم والحلم والرحمة، وبل وكان خُلُقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من التواضع والبر والعفو، وفي طبعه السهولة واللين والرفق، سخي بغير إقتار معطاء بغير إمساك، جعله ربه أزكى عباد الرحمن عاطفة، وأوسعهم بهم رحمة وأوسعهم لهم صدراً، قال الله تعالى:(لَقَد جَاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عزيزٌ عليه مَا عَنتُّم حَريصٌ عَليكُم بِالمؤمنينَ رؤوفٌ رَحيم) (التوبة ـ 128)، فهو نبي الرحمة للعالمين أجمعين، قال تعالى:(وَمَا أَرسَلناكَ إِلاَّ رحمةً للعالمين) (الأنبياء ـ 107)، وجاءنا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بدين كله رحمة، بل هو دين الرحمة، أتمَّ علينا به النعمة، وأمرنا من خلاله تعاليمه إلى التوادّ والتراحم، وجعل التراحم من دلائل الإيمان وتمامه، فعن أبي موسى الأشعري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(لن تؤمنوا حتى تراحموا، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة) (رواه أحمد، رقم: 16408)، و(الطبراني، رقم: 2497)، فالمسلم يحمل من مظاهر الرحمة أن يلقى المسلم الناس بقلب عطوف ووجه طلق لماذا؟ لإن رحمة الله تستجلب طاعته سبحانه، قال تعالى: (وَأطيعُوا الله لَعَلَّكُم تُرحَمون).. وللحديث بقية.

محمود عدلي الشريف 

 [email protected]