تُعَدُّ الهدايا رسائل مبطَّنة لِتعبِّرَ عن مشاعر الحُب والاحترام والتَّقدير والإخلاص.. وغيرها من المعاني الكريمة تعكس (كاريزما) وثقافة الشَّخص، سواء المهدي أو المهداة له وهو أعلى درجات لُغة الجسد.
وتتفاخر المدارس الدبلوماسيَّة البريطانيَّة بالذَّات بأنَّ الهدايا تحمل دوافع إيجابيَّة وسلبيَّة، بل وتصل في بعض الدوَل إلى التَّهديد حينما يضعون في ظرف (طلقة مسدس) مُهدِّدين الشَّخص لسببٍ ما.
تطرَّقنا بالمقال السَّابق حَوْلَ هدايا الإتيكيت الحكومي بالنِّسبة للوفود الرَّسميَّة وكبار الشَّخصيَّات، سواء في زيارة دَولة أو زيارة رسميَّة.. وغيرها. ومقالنا اليوم يتطرَّق إلى اختيار الهدايا ضِمن محاور الإتيكيت الاجتماعي وتأثيره على التَّقارب الأُسري بصورة خاصَّة والاجتماعي بصورة عامَّة.
استعانتِ المدرسة الدبلوماسيَّة البريطانيَّة المُتخصِّصة بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت الاجتماعي بخبراء عِلم النَّفْس الاجتماعي لمعرفة تأثيرات الهدايا على ردود أفعال الطَّرفين (الهادي والمهداة له) ومدى تأثيره على بيئة العمل والأُسرة والمُجتمع. فعلى سبيل المثال، حضور المُوظَّف مناسبة اجتماعيَّة لزملاء العمل وتقديمه هديَّة مناسِبة سوف تزيد من الرَّوابط الاجتماعيَّة، بالإضافة إلى الرَّوابط الوظيفيَّة، خصوصًا إذا كان المُوظَّف مسؤوله المباشِر، وبالتَّالي فإنَّ بيئة العمل سوف تكُونُ إيجابيَّة وغير مشحونة بالتَّكهُّنات السَّلبيَّة، وبالتَّالي فإنَّ الهدايا بَيْنَ زملاء العمل ذات أهميَّة كبيرة وغالية جدًّا تدعم الإتيكيت الحكومي. هدايا الأُسرة تختلف كثيرة عن هدايا الأقارب والأصدقاء والمعارف والجيران على ألَّا نبالغَ في قِيمة الهديَّة؛ كَيْ لا تُفسَّر بمعانٍ وتأويلات بعيدة كُلَّ البُعد عن الحقيقة. لذلك أكَّدتِ المدارس المُتخصِّصة بالإتيكيت الاجتماعي على نَوْع وقِيمة الهديَّة المختارة استنادًا إلى عمر الصَّداقة ونَوْعها وطبيعتها ومستواها.. فمن غير المعقول إهداء قطعة ذهبيَّة غالية الثَّمن لأحَد المعارف لا تربطنا معه أيُّ علاقة وثيقة.
وضعتْ بعض السِّياقات وسِمات الهدايا أو اختيار الهديَّة معتمدة على ما يلي: العائلة، الجيران، الأقارب (الدَّرجة الأُولى أو الثَّانية أو الثَّالثة أو الرَّابعة)، الأصدقاء (المقرَّبون، أصدقاء العمل)، زملاء بيئة العمل، المعارف ورفاق الحدَث، العمالة المنزليَّة وغيرهم. فاختيار الهدايا يستند إلى العمر والمناسَبة والجنس.
إنَّ الهدايا بالمناسبات الاجتماعيَّة لها أهميَّة كبيرة بَيْنَ الطَّرفين، كما تُوصي المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة بعدم المبالغة والإشهار والتَّباهي بها أو التَّكلُّم عن سِعر وثَمَن الهدايا أمام الجميع؛ لِكَيْ لا يتسببَ بإحراج بقيَّة النَّاس الَّذين ليس لدَيْهم الإمكانيَّة الماليَّة بها، وأيضًا تختلف أنواع الهدايا استنادًا إلى المناسبة، فيُفضَّل في وقتنا الحاضر بمناسبة الزّواج ـ على سبيل المثال ـ إعطاء مبلغ من المال بدلًا من شراء حاجات قد لا يحتاجها المتزوِّجان أو لدَيْهما نَفْس الشَّيء، فلذلك يُفضَّل إعطاء المبلغ لسدِّ احتياجاتهما الحياتيَّة. وبالطَّبع يختلف نوع الهدايا بالمناسبات الاجتماعيَّة والتَّي تقسَّم إلى، وأهمها: (الزّواج، الخطوبة، التَّخرُّج، التَّرقية، الولادة، شراء منزل أو سيَّارة، الحصول على وظيفة، عيد الميلاد، عيد الزّواج، عيد الحُب، الأعياد الأخرى.. وغيرها من المناسَبات)، وأيضًا تعتمد كثيرًا على كاريزما الشَّخص.. ولا يُفضَّل إطلاقًا إهداء العطور في جميع المناسبات للأشخاص الَّذين لا نعرف ذوقهم أو قد يكُونُ لدَيْهم حساسيَّة من نَوْع معيَّن ممَّا يأتي بنتائج عكسيَّة، وهو ما لا يرضي عقباه.
الخطأ الشَّائع لدَى الكثير من عامَّة النَّاس أو حتَّى المسؤولين هو تقديم العطور كهدايا (الموظَّفِين المُجيدِين أو المُبدِعِين) وهذا تَعدُّه المدارس المُتخصِّصة بمفاهيم الإتيكيت الحكومي من الأخطاء التَّي لا تُغتفر؛ بسبب بأنَّنا لا نعرف ذَوق هذا الشَّخص، وثانيًا قد يُعاني من مرض الحساسيَّة أو أيِّ مرض آخر يتحسَّس من الرَّوائح والعطور. وعَلَيْه، لا يُحبَّذ أبدًا إهداء العطور لأشخاص لا نعرف ذَوقهم وحالتهم الصحيَّة؛ لذلك بدأتِ المدارس الغربيَّة المُتخصِّصة في مجال العطور تضع مفاهيم جديدة، مِنْها كيفيَّة اختيار هدايا العطور حسب مواسم السَّنة المختلفة، لذلك يختار النَّاس الرَّوائح الخفيفة في الصَّيف، والرَّوائح الثَّقيلة والقويَّة في الشِّتاء مِثل: العنبر والمِسك والحمضيَّات، حيثُ يعتقد صانعو العطور أنَّ كيمياء الجسم للشَّخص تؤثِّر على الطَّريقة التَّي يتفاعل بها العطر مع الجلد. على سبيل المثال، تختلف مستويات الأس الهيدروجيني لدَى الأشخاص وهو أحَد أهمِّ أسباب اختلاف رائحة العطور من شخص لآخر، بالإضافة إلى درجة حرارة جسم الإنسان والبيئة المحيطة.
إنَّ اختيار العطور كهدايا يُفضَّل معه معرفة ذَوق الشَّخص المقابل؛ لِكَيْ يتمَّ شراء الهديَّة المناسِبة له، وبالتَّالي تؤدِّي هنا الهدايا الرِّجاليَّة دَوْرًا مختلفًا عن الهدايا النسائيَّة إذا تكلَّمنا عن صِنف العطور.. وعَلَيْه، فإنَّ من العادات العُمانيَّة الأصيلة والتُّراثيَّة هو أن يكُونَ اختيار الهدايا للرِّجال نَوْعًا راقيًا من أنواع (المصرَّات)، أمَّا هدايا النِّساء فيُفضَّل الأقمشة أو الحنَّاء أو الذَّهب.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت