يُمثِّل القِطاع السِّياحي اليوم إحدى الرَّكائز الأساسيَّة في مَسيرة التَّنويع الاقتصادي لسلطنة عُمان، حيثُ تجاوز دَوْره التَّقليدي كمجرَّد نشاط خدمي لِيصبحَ صناعة متكاملة ذات أثَر مباشر على النُّمو الوطني، فهو يفتح أبوابًا واسعة لفرص العمل، ويحفِّز الاستثمار، ويُسهم في إبراز الهُوِيَّة العُمانيَّة على الخريطة العالميَّة. ولعلَّ الأهميَّة الأبرز تكمن في أنَّ السِّياحة تتقاطع مع قِطاعات حيويَّة أخرى مِثل الطَّيران، النَّقل، الزِّراعة، الحِرف التَّقليديَّة، والتِّجارة، بما يجعلها محرِّكًا رئيسًا لنُموٍّ متوازن، يعكس روح رؤية «عُمان 2040» التَّي تضع الإنسان والمُجتمع في قلب التَّنمية، كما أنَّ الاستثمار في السِّياحة لا يعني فقط إنشاء فنادق أو منتجعات فاخرة، وإنَّما بناء منظومة اقتصاديَّة واجتماعيَّة قادرة على استيعاب الطَّاقات الشَّابَّة، وتوليد قِيمة مُضافة تتجاوز حدود الإيرادات الماليَّة، إلى صناعة صورة وطنيَّة معاصرة. ومن خلال هذه المنظومة، يتحوَّل القِطاع السِّياحي إلى بوَّابة للاندماج مع الاقتصاد العالمي، ويُعزِّز قدرة السَّلطنة على التَّنافس في سُوق عالمي شديد التَّغيُّر.
وعلى امتداد عَقدَيْنِ من الزَّمن، برزتْ مجموعة عُمران كأداة وطنيَّة استراتيجيَّة تجسِّد هذا الدَّوْر الاقتصادي للسِّياحة، حيثُ انطلقتْ من مرسوم سُلطاني عام 2005 لِتتحولَ تدريجيًّا إلى الذِّراع الأبرز لجهاز الاستثمار العُماني في هذا القِطاع. وخلال هذه السَّنوات راكمتِ المجموعة خبرات وشراكات، ونجحتْ في صياغة مشهد سياحي متكامل يُوازن بَيْنَ الأصالة العُمانيَّة ومتطلبات الحداثة، فقَدْ وضعتْ نصبَ عَيْنَيْها تطوير وجهات سياحيَّة متكاملة تستند إلى الموروث الثَّقافي الغني، وتقدِّمه في قوالب عصريَّة قادرة على جذب المستثمر والزَّائر في آنٍ واحد.. وهي تحتفل بمرور عشرين عامًا على تأسيسها، لا يقتصر حضورها على كونها مطوِّرًا للمشاريع، وإنَّما تَقُود عمليَّة إعادة تشكيل البنية السِّياحيَّة العُمانيَّة وفْقَ رؤية واضحة تضع الاستدامة والمردود المُجتمعي في صميم أهدافها، هذا الدَّوْر جعلها شريكًا محوريًّا لوزارة التُّراث والسِّياحة، ومنصَّة تعكس التزام الدَّولة بترسيخ قِطاع سياحي قادر على المنافسة إقليميًّا ودوليًّا، بما يُعزِّز موقع السَّلطنة كوجهة استثماريَّة وسياحيَّة رائدة.
لقَدْ شكَّلتِ الشَّراكات الاستثماريَّة التَّي أطلقَتْها مجموعة عمران في احتفالها الأخير ترجمةً عمليَّة لرؤيتها في تطوير القِطاع السِّياحي وتعزيز جاذبيَّته، حيثُ تنوَّعتِ الاتفاقيَّات بَيْنَ مشاريع كبرى تُعِيد صياغة المشهد العمراني والسِّياحي، مِثل مدينة العرفان والواجهة البحريَّة لميناء السُّلطان قابوس، إلى جانب وجهات فاخرة مِثل منتجع فورسيزونز ومشروع كلوب ميد في مسندم، الَّذي يُمثِّل إضافةً نَوْعيَّة تضع المحافظة على خريطة السِّياحة العالميَّة.. هذه المشاريع لا تعكس فقط طموح التَّوَسُّع في البنية الأساسيَّة، وإنَّما تجسِّد إدماج السِّياحة مع قِطاعات أخرى مِثل الزِّراعة من خلال مشروع جنائن صلالة، والحِرف التَّقليديَّة عَبْرَ مركز الحِرفيَّة في مطرح، بما يُعزِّز سلسلة القِيمة السِّياحيَّة، ويخلق فرصًا اقتصاديَّة للمُجتمعات المحليَّة. والأهمُّ أنَّ هذه المبادرات جاءتْ نتاج تعاون وثيق بَيْنَ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ، ما يؤكِّد أنَّ نجاح السِّياحة مرهون ببناء شراكات قادرة على استقطاب رؤوس أموال وخبرات متنوِّعة، وهكذا تتحوَّل عُمان إلى وجهة سياحيَّة متكاملة، تقدِّم للزَّائر تجربةً فريدة تمزج بَيْنَ الطَّبيعة البِكر والبنية العصريَّة.
وإذا كان الماضي قد أثبتَ قدرة السِّياحة العُمانيَّة على بناء قاعدة راسخة، فإنَّ المستقبل يحمل في طيَّاته آفاقًا أوسع تعكسها المشاريع الجديدة التَّي تجمع بَيْنَ الابتكار والاستدامة. فالتَّوَجُّه نَحْوَ السِّياحة البيئيَّة والمغامرات يظهر جليًّا في مشاريع وادي الشَّاب، ورأس الشَّجر وكهف مجلس الجِن، حيثُ تتكامل التَّجربة الطَّبيعيَّة مع أنشطة استكشافيَّة وترفيهيَّة تعكس ثراء البيئة العُمانيَّة، كما يبرز الاستثمار في سياحة الرفاهيَّة والصحَّة عَبْرَ منتجعات سانتاني جبل شمس وآلي نيفاس، التَّي تقدِّم نماذج مُتجدِّدة لتجارب الضِّيافة العالميَّة. وفي الوقت ذاته، تفتح الاستثمارات الرَّقميَّة مِثل منصَّتَي UnderTheDoormat وGodoba مسارًا جديدًا لتسويق السِّياحة، وتطوير قنوات الإقامة البديلة، ما يُعزِّز اندماج القِطاع في الاقتصاد الرَّقمي العالمي. هذه المبادرات المتنوِّعة تعكس ثقةً متزايدة من المؤسَّسات الدوليَّة في البيئة الاستثماريَّة لسلطنة عُمان، وتؤكِّد أنَّ السِّياحة لم تَعُدْ مجرَّد نشاط جانبي، وإنَّما صناعة متكاملة تُشكِّل جسرًا للتَّواصُل الحضاري والاقتصادي، وتضع عُمان في موقع متقدِّم على خريطة الوجهات العالميَّة.