مسقط ـ «الوطن »:
مع إطلاق لائحة تنظيم سوق الشركات الواعدة، أصبح بإمكان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عُمان الوصول إلى التمويل الأخضر بشكل أسهل عبر تسهيل متطلبات وشروط الإدراج في السوق لدعم نموها واستدامتها.
وتأتي هذه اللائحة، الصادرة عن هيئة الخدمات المالية، لتنظيم السوق الفرعية في بورصة مسقط تحت مسمى "سوق الشركات الواعدة" والتي أنشئت بمرسوم سلطاني مطلع العام الجاري، بهدف تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة والعائلية من جمع رؤوس الأموال في بيئة تنظيمية مبسطة من خلال طرح أسهم، الأمر الذي يجعلها قادرة على إبراز بياناتها المالية وتحقيق قدرة أعلى للمنافسة والنمو، فضلا عن أهمية ذلك في تعزيز ثقة المستثمرين المؤهلين، وكل هذه المعطيات تدعم الأولويات الوطنية المتمثلة في التنويع الاقتصادي التي تقودها رؤية عُمان 2040.
من جانب آخر يعتبر إصدار لائحة تنظيم سوق الشركات الواعدة متماشيًا مع خارطة الطريق الوطنية لهيئة الخدمات المالية الخاصة بمواءمة قطاع التمويل غير المصرفي مع مبادئ التمويل الأخضر والمستدام، وهي خطة مدتها 36 شهرًا تهدف إلى مواءمة أفضل الممارسات العالمية مع الأطر العُمانية لضمان انتقال منظم وموثوق نحو التمويل الأخضر بما يتماشى مع هذه الخارطة. حيث تتيح السوق لهذه الفئة من الشركات فرصة الاستفادة من خصائص التمويل عبر سوق الشركات الواعدة باعتباره خيارا تمويليا آخر يدعم بشكل مباشرًا التزام سلطنة عُمان بتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2050م.
وكانت هيئة الخدمات المالية قد أصدرت في الربع الأول من عام 2024 لائحة السندات والصكوك والتي أشارت في المادة 98 منها نطاق التمويل الأخضر والمستدام، حيث تُلزم أي مُصدر أو مستفيد يرغب في إصدار سندات أو صكوك خضراء أو مستدامة بتوضيح الأهداف في نشرة الإصدار، والتي قد تشمل الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، ترشيد استهلاك الطاقة، تشجيع الطاقة المتجددة، تقليل الانبعاثات الكربونية، معالجة القضايا الاجتماعية، تحسين جودة الحياة، أو تطوير الأصول الوقفية، مما يتيح مجالا خصبا للحلول الخضراء التي قد تقدمها الشركات الناشئة.
ولضمان المصداقية وتعزيز ثقة المستثمرين المؤهلين، تشترط لائحة تنظيم سوق الشركات الواعدة على الشركات اعتماد المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تسمح بمتطلبات مبسطة للتقارير المالية مع الالتزام بالمعايير العالمية للشفافية والمساءلة. ومن خلال هذا المعيار، يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عُمان جذب المستثمرين والمقرضين وشركاء الأعمال بثقة، حيث يتم إعداد تقاريرها المالية وفق إطار معترف به عالميًا يجمع بين البساطة والمصداقية.
وتهدف سوق الشركات الواعدة في جوهرها إلى فتح فرص تمويلية أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي قد تجد صعوبة في الحصول على التمويل عبر القنوات المصرفية التقليدية. ومن خلال تسهيل متطلبات وشروط الإدراج، تُمكّن اللائحة الشركات الناشئة، أو المشاريع التكنولوجية، وحتى الشركات قيد التأسيس من تأمين استثماراتها والتوسع في عملياتها. وتُعد هذه المرونة بالغة الأهمية لرواد الأعمال في مجالات الخدمات الرقمية، والطاقة النظيفة، واللوجستيات، والتصنيع المتقدم، وهي قطاعات محورية في التحول الأخضر والرقمي لسلطنة عُمان حيث الحاجة ماسة إلى رؤوس أموال للنمو.
ولا يقتصر السوق على التمويل فحسب، بل يشمل الابتكار أيضًا. فقد تم تصميمها لتهيئة الأساس لمزيد من التكامل مع المنصات المالية التقنية، وحلول التمويل الجماعي، وأدوات الاستثمار الرقمي، مما يسهل الربط بين المستثمرين ورواد الأعمال. وهذا يفتح المجال لمشاركة أكثر ديناميكية من صناديق رأس المال المخاطر، والمستثمرين الملائكيين، والأفراد ذوي الثروات العالية الباحثين عن فرص في الصناعات الناشئة. كما يمنح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خبرة في أساليب التمويل الذكية التي تعيد تشكيل الأسواق العالمية، بدءًا من الأصول المرمّزة وحتى أنظمة التداول الرقمي.
ولموازنة سهولة الوصول مع ثقة المستثمرين المؤهلين، تتبنى اللائحة نهجًا تدريجيًا، حيث تستفيد الشركات من معايير تقارير مبسطة، وانخفاض تكاليف الامتثال، وخيارات واضحة للإدراج سواء المباشر أو غير المباشر. وتتيح هذه الخيارات للمؤسسات دخول السوق وفقًا لدرجة نضجها واحتياجاتها الاستراتيجية، مع الاستعداد تدريجيًا للانتقال إلى السوق الرئيسة بمعايير أقوى للحوكمة والانضباط المالي.