الأربعاء 03 سبتمبر 2025 م - 10 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

ألسُن وحكايات : هل أكرمنا عمّتَنا حقاً ؟؟

ألسُن وحكايات : هل أكرمنا عمّتَنا حقاً ؟؟
الأحد - 31 أغسطس 2025 01:32 م

ناصر المنجي

110


كان الكثير من العرب قديماً، يرون في النخلة أنها أقرب إلى الصفة الإنسانية منها إلى الصفة النباتية، حيث إن النخلة تحمل الفسائل مثل أنثى الإنسان تماماً التي تحمل الجنين في رحمها مدة تسعة أشهر حتى الولادة، والنخلة تحمل الفسائل حتى تكبر ومن بعد تؤخذ الصرم لتزرع كنخيلٍ صغيرة، للإنسان لا بد من الاتصال الجنسي بين الذكر والأنثى كي يتم الإنجاب، والنخل أيضاً لا بد من تلقيح النخلة من طلع فحل النخل بما يُسمى محلياً (التنبيت) لطلع النخل، الإنسان يحمل في جسمه الزغب وهو الشعر الليّن، وللنخلة زغبها أيضاً وهو الليف ، للإنسان جذع وللنخلة جذع، ومثلما للإنسان شعر للنخلة شعر منفوش وهو الزور، يحمل الإنسانُ قلباً، وقلب النخلة هو الجمّار أوالجَذَب، إذا قُطع رأس الإنسان حتماً سيموت، النخلة كذلك، أشياءٌ كُثُر تتشابه وتتقاطع بين الإنسان والنخلة، يُروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (أكرموا عمتكم النخلة)، أُشدّدّ على كلمة (عمتكم) ، كأن ثمة صلةُ رحمٍ بينها والإنسان. لم تكن النخلة مصدر دخل، بل إنها مصدر حياة، ليس للإنسان فقط بل للماشية وللطير وكانت مهنة الفلاحة مهنة يقوم بها أبناء سلطنة عمان، وللأسف نستطيع أن نقول أنها أنقرضت، لا يوجد في النخلة شيء لا يمكن استخدامه وتصنيعه مُطلقا، رطبها وتمرها مأكلٌ للإنسان طوال العام، غير الصالحٍ منه فهو للماشية، من ليفها تصنع الحبال، ومن سعفها صناعات عدة، من زورها تصنع الأسرة، عندما تحرق الجذوع والسعف فإنه للأرض مادة أهم من السماد، من فجر التاريخ كان العماني ليس في المناطق الزراعية بل في كل سلطنة عمان يدور في فلك النخل وكان الاهتمام بالنخلة على مدار أيام السنة كاملةً ولا تقتصر على موسم معيّن.

للأسف الشديد تم رهن القطاع الزراعي في سلطنة عمان للعمالة الوافدة، إن لم يكن كليّاً فالجزء الأكبر منه وهذا ما ينطبق على النخل، فزراعتها وسقيها والاعتناء بها وسقيها وحصادها والتجارة بالتمور كله أصبح في جزءٍ كبير منه بأيديهم، هذا لا ينطبق فقط على القطاع الزراعي بل على الكثير مثله مثل قطاع الصيد البحري والتي كان يعملُ به المواطن منذ أن عاش في هذه البلاد إلى وقتٍ قريب أو ما يسمى إلى وقت الطفرة النفطية، التي (طفّرت) بأشياء جميلة، يوجد في السلطنة أكثر من تسعة ملايين نخلة، ولنا أن نتخيل كم من الأشخاص يعملون في ملايين النخيل هذه ، عن مردودها الاقتصادي المادي، فيما نسبةٌ كبيرة من الشباب العماني باحثون عن عمل أو مسرّحون منه، هذه القطاعات كانت على الدوام مُكّونا أساسيا للحياة في عمان الكثير، ومن الممكن جديّاً أن تحل المشاكل في سلطنة عمان والتي من ضمنها ما حدث قبل أسابيع، عندما تجمع ما يقارب العشرين ألفا من الشباب للتقدم إلى ما يقارب الثمانمائة شاغرٍ وظيفي فقط، فعن أيُ مستقبلٍ سنتحدث إن لم نجد حلولاً جذرية وليست حلول مُسكِّنةٍ ووقتية، ومن ضمنها إقناع الشباب بعدم العزوف عن العمل في كل القطاعات التي عمل بها العمانيون منذ أن عاشوا في هذه البلاد، فلا أتوقع أن ثمة بحّاراً أو صياداً أو مزارعاً غير عماني في هذه البلاد قبل خمسين عاما، كما أن رهن هذه القطاعات هو رهن لجزء من البلاد ومواردها وأهلها أحق بها، ومن المؤكد أنها ستحل الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. تسهيل سيطرة الوافدين على الكثير من القطاعات أتى بنتائج اجتماعية واقتصادية سيئة، إن استمر هذا ستكون النتائج بما لا تُحمد عُقباه، فكيف ببلادٍ عدد سُكانها أقل من ثلاثة ملايين نسمة يعاني سكانها من مشكلة البحث عن لقمة عيش، أوعن عملٍ مثلما يُقال، فيما أكثر من مليوني وافد لا تجد واحداً يبحثُ عن عمل أو أنه مسرحٍ منه، فيما أبن البلد تجده بين الحالتين، اللوم هنا لا يقع على عاتق الجهات المعنية فقط بل المواطن مشارك في هذا بطريقةٍ أو بطريقة أخرى . هل أكرمنا عمّتَنا حقاً ؟ علينا أن نكرمها مثلما أكرمتنا، علينا أن نكرم البحر والجبل، ليست عنصريةً أو تجاهلاً لما قدمته العمالة الوافدة من أعمال ولكن لمصلحة الوطن لا بد (للخير) أن يعود لأصحابه لما فيه من مصالح وفوائد كثيرة للبلد وأبنائها .

ناصر المنجي 

[email protected]