الأربعاء 27 أغسطس 2025 م - 4 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : الاستنارة فـي مواجهة الأزمات

رحاب : الاستنارة فـي مواجهة الأزمات
الثلاثاء - 26 أغسطس 2025 01:16 م

د ـ أحمد بن علي المعشني

160

كان أحمد يرقد في المستشفى لعدّة أيام، يتلقى العناية الطبية ينتظر لحظة خروجه التي كان يعدّها بداية جديدة بعد عناء المرض. كان يخطط في ذهنه للعودة إلى حياته المعتادة، يشتاق إلى بيته وأحبته، ويرسم في مخيلته تفاصيل الأيام القادمة بعد أن يُغادر جدران المستشفى البيضاء.

وفي اليوم الذي أخبره فيه الأطباء بتسريحه جاءت المفاجأة حين دخل الطبيب مبتسمًا، لكنه قال بجدية: «آسف يا أحمد، علينا أن نؤجل خروجك، فما زلنا بحاجة إلى مراقبة حالتك.»

في لحظة كهذه، كان من الطبيعي أن يشعر أحمد بالصدمة أو بخيبة أمل. لكن شيئًا آخر حدث؛ فقد استحضر وعيه النقي الذي درّب نفسه عليه في مواقف سابقة، لم يغضب، ولم يستسلم للحزن، بل شعر أن القرار يحمل رسالة طمأنينة خفية. تذكّر أن التأجيل قد يكون عناية إلهية تحفظه من أمرٍ لم يدركه بعد، وأن ما بدا عائقًا قد يحمل في جوهره رحمة أو فرصة لمزيد من التعافي.

الوعي الذي استحضره أحمد في تلك اللحظة هو ما نُسميه الاستنارة في مواجهة الأزمات. الاستنارة ليست مجرد فكرة فلسفية أو نظرية نفسية، بل هي حالة وعي شاملة تجعل الإنسان أكثر قدرة على استقبال الأحداث غير المتوقعة بروح منفتحة، وتحرره من ردود الأفعال السلبية التي تُنهك الجسد والعقل.

لقد علّمت التجربة أحمد درسًا عميقًا: أن الأزمات ليست دائمًا نقمة، بل قد تكون رسالة لإبطاء الخطى والتأمل، فالتأجيل الذي رآه البعض خبرًا محبطًا، رآه هو دعوة للسكينة وإعادة التوازن. هذه القدرة على تحويل الخبر المزعج إلى معنى إيجابي هي جوهر الاستنارة؛ فهي تفتح البصيرة على احتمالات جديدة وتُبعد التفكير عن النظرة الضيقة والحلول الجزئية.

والأجمل أن هذا الوعي لم يمنحه الطمأنينة النفسية فقط، بل أسهم أيضًا في تحسين حالته الجسدية. فالدراسات الحديثة تُظهر أن المشاعر الإيجابية والسكينة الداخلية تسرّع من عملية الشفاء، وتقوي المناعة، وتخفف من آثار الألم والتوتر. وهكذا يصبح الاستقرار النفسي دواءً مكملاً للطب، ويصير الحضور الواعي شريكًا في التعافي.

إن ما حدث مع أحمد ليس قصة فردية فحسب، بل هو مرآة يمكن أن يرى فيها كل إنسان نفسه، فنحن جميعًا نمر بمواقف غير متوقعة: تأجيل عمل، تعطيل سفر، أو حتى أزمة صحية أو مالية، والفرق يكمن في كيفية استقبالنا لهذه المواقف، من يراها نقمة يعيش في ضيق، ومن يراها فرصة ينعم بالسلام الداخلي.

وهكذا خرج أحمد من تلك التجربة بدروس أعمق مما كان ينتظر؛ لم يخرج من المستشفى جسدًا فقط، بل خرج قلبه أكثر اتساعًا وروحه أكثر صفاءً. أدرك أن الحرية الحقيقية تبدأ من الداخل، من لحظة قبول ما هو كائن بحكمة، ورؤية النور في قلب العتمة.

د. أحمد بن علي المعشني 

 رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية