الأربعاء 27 أغسطس 2025 م - 4 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

فن الدبلوماسية .. بروتوكول وإتيكيت تقديم الهدايا للضيوف «1»

فن الدبلوماسية .. بروتوكول وإتيكيت تقديم الهدايا للضيوف «1»
الثلاثاء - 26 أغسطس 2025 01:15 م

د. سعدون بن حسين الحمداني

20


تاريخ تقديم الهدايا يعود إلى عُمق الحضارة الإنسانيَّة؛ لتعزيزِ العلاقات الاجتماعيَّة وبناء الأُسر وترسيخ النُّفوذ.

وقد تطورت ممارسات تبادل الهدايا عَبْرَ مختلف الحضارات القديمة مثل بلاد ما بَيْنَ النهرين ومصر القديمة، حيثُ استخدمت للتَّعبير عن الاحترام والولاء ولأغراض طقسيَّة ودينيَّة، وكذلك في تقديم الهدايا للملوك والآلهة.

اكتسبتِ الهدايا أهميَّة رمزيَّة ودينيَّة أكبر، بالإضافة إلى استخدامها في المناسبات الاحتفاليَّة مثل أعياد الميلاد والاحتفالات الملكيَّة. يُحكى أنَّ الفراعنة أوَّل مَن عرف الهديَّة، وأوَّل مَن ابتكر فكرة لفِّها بالورق وربطها لتزيينها.

الحضارة الإسلاميَّة والمدرسة الدبلوماسيَّة الإسلاميَّة تميَّزت كثيرًا عن العصور السَّابقة بوضع اللَّمسات الجَماليَّة ونوعيَّة الهدايا استنادًا إلى نوع ومنزلة ومنصب الشخص.. وجاء في القرآن الكريم في سورة النمل، الآية (35) قوله تعالى: (وإنّي مُرسَلةٌ إِلَيْهم بِهَدِيَّة فَنَاظِرِةٌ بِمَ يَرجِعُ المُرسَلون)، ليعطي الله سبحانه وتعالى رمزًا ودلالة على نَوْع الهديَّة معتمدًا على الطَّرف الآخر وسبب الإهداء، وهي هديَّة بلقيس ملكة سبأ إلى النَّبي سليمان (عَلَيْه السَّلام) وقومه، وكانت تنتظره ردود الفعل مِنْهم، ولا مجال للتطرق والإسهاب في الموضوع، وكان الرسول الكريم (صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم) يَقْبل الهديَّة، ويُثيب عَلَيْها. وتاريخ الهدايا قديمٌ جدًّا، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عَنْه ـ عن النَّبي ـ صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم ـ قال: (تهادوا تحابُّوا) (رواه البخاري) في (الأدب المفرد)، (تهادوا) أي: تبادلوا الهدايا بَيْنَكم، و(تحابوا) أي: تحصل بَيْنَكم المَحبَّة والمَودَّة والأُلفة.

كما هو معروف في أقدميَّة مدارس الإتيكيت (الفرنسيَّة، الإنجليزيَّة)، حيثُ تميَّزتِ المدرسة الإنجليزيَّة خصوصًا بالقرن الثامن عشر بالعهد الفكتوري (الملكة فكتوريا) الَّتي وضعتِ اللبنة الأساسيَّة لها، بدأتِ المعاهد الدبلوماسيَّة الإنجليزيَّة تستحدث الأنواع والمجالات والسِّمات والأجندة لبروتوكول وإتيكيت تقديم الهدايا للضيوف، وأوَّل مبادئ بروتوكول وإتيكيت تقديم الهدايا هو معرفة منصب ومكانة وأهميَّة الضَّيف ونَوع العلاقة الَّتي تربط بَيْنَ الطرفين، هل هي تاريخيَّة وطيدة وعميقة ورصينة وفيها نَسب وصهر؟ أم عكس ذلك مجرَّد علاقة دبلوماسيَّة؟

وتتفاخر المعاهد الدبلوماسيَّة الإنجليزيَّة بأنَّها صنفتِ الضيوف إلى رسميَّة واجتماعيَّة، فالضيوف الرسميَّة تمَّ تقسيمها إلى الصِّنف الأوَّل وهم: كبار الشخصيَّات (VVIP) وهم (المُلوك والسَّلاطين والأُمراء ومَن هم بمنصبهم أو من يُمثِّلهم من الدَّرجة الأُولى فقط)، أمَّا الصِّنف الثَّاني من كبار الشخصيَّات (VIP) فهم الرؤساء (رئيس الوزراء والوزراء الَّذين يحملون حقائب سياديَّة والسفراء أو مَن يُمثِّلهم في حملة رسائل أو دعوة خاصَّة أو رسميَّة)، والصِّنف الثَّالث من (VIP) هم الوزراء والوكلاء.

هذا السَّرد البسيط والمختصر للمناصب والتَّصنيف لكبار الشخصيَّات؛ لِكَيْ يتمَّ اختيار الهديَّة المناسبة والملائمة لكُلِّ ضيف، فمن غير الممكن تهدى هديَّة غالية الثَّمن وذات قِيمة تاريخيَّة ومعنويَّة أو حتَّى الأوسمة والأنواط من الدرجة الأُولى المَدنيَّة مِنْها أو العسكريَّة للضيوف من الصِّنف الثَّالث أو الرَّابع وهم رؤساء الجمعيَّات والأندية ومنظَّمات المُجتمع المَدني، لذلك تقسَّم الهدايا استنادًا إلى التصنيف أعلاه، وغالبًا هذه الهدايا هي ذات قِيمة ثمينة وتوضع في المتاحف للدلالة على عُمق العلاقة بَيْنَ الطرفين.

إنَّ هدايا والدنا جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ المهداة إلى الملوك والأمراء والرؤساء تحمل معاني ودلالات تاريخيَّة ومعنويَّة للضيف الزائر مثل: (الخنجر العُماني والسَّيف العُماني).. وغيرها من الهُوِيَّة العُمانيَّة الأصيلة، وكذلك المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ كان يهدي بعض الخيول العربيَّة لكبار الشخصيَّات. هذه الهدايا تحمل في طيَّاتها معاني الحُب والإخلاص، وتوطيد العلاقة الحميمة بَيْنَ الطرفين؛ لأنَّ الهديَّة المهداة سوف تحكي عُمق الترابط الروحي بَيْنَ الطرفين، وتدخل هنا لُغة الجسد بالهديَّة لِتعبِّرَ عن جُمل غير لفظيَّة احترامًا وتقديرًا للضَّيف الزائر، البروتوكول والإتيكيت الاجتماعي بما يخصُّ أنواع اختيار الهدايا، فهي ذات قِيمة شخصيَّة ومعنويَّة فقط، وتكُونُ كبيرة عِندَ الطرف الثَّاني.

إنَّ الهديَّة سنَّة نبويَّة، وهي شعور بالحُب والاحترام، ومبعث أنس، تقرِّب البعيد، وتصل المقطوع، وتشق طريق الدعوة إلى النفوس الطيِّبة، وتفتح مغاليق القلوب، وتبذر المحبَّة بَيْنَ النَّاس.

وفي الختام، اهتمَّت مدارس عِلم النَّفْس الاجتماعي، وكذلك المعاهد الدبلوماسيَّة بأنَّ الهدايا تقسَّم إلى عدَّة أقسام اجتماعيَّة، وتعتمد كثيرًا على كاريزما الشَّخص المُهدي، حيثُ يضع صوب عَيْنِه السِّمات الآتية من أهمِّها: نوع المناسبة، وقتها، مكانها، كما أضافت بعض المواصفات الأخرى، مِنْها مكانه الشخص، العمر، امرأة أو رجُل، مَدَني أو عسكري، رجُل سياسي أو عالِم دِين، أساتذة جامعات، خبراء، إعلاميون.. وغيرها من تقسيمات الَّتي وضعها عِلم النَّفْس الاجتماعي، وبالتَّالي يتمُّ اختيار الهديَّة المناسبة وسوف يتمُّ التطرق إِلَيْها بالمقال القادم إن شاء الله.

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت