الاثنين 25 أغسطس 2025 م - 2 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : ممرات طاقة وشراكات ممتدة

الاثنين - 25 أغسطس 2025 03:30 م

رأي الوطن

10

تخطو سلطنة عُمان بثقة نَحْوَ ترسيخ مكانتها كمركز عالمي في الاقتصاد الأخضر، من خلال جولات ترويجيَّة تَقُودُها شركة (هايدروم) في العواصم المؤثِّرة، كان آخرها في سيئول بجمهوريَّة كوريا الجنوبيَّة. فالجولة جاءتْ لِتؤكِّدَ أنَّ السَّلطنة لا تعرض فكرة نظريَّة، وإنَّما تقدِّم منظومة وطنيَّة متكاملة للهيدروجين الأخضر، تشمل تخصيص الأراضي، وتطوير البنية الأساسيَّة، وصياغة تشريعات داعمة، فتخصيص أكثر من خمسين ألف كيلومتر مربَّع لمشروعات إنتاج الهيدروجين، وتوقيع استثمارات تتجاوز خمسين مليار دولار، يُمثِّلان تحوُّلًا نوعيًّا في البنية الاقتصاديَّة للسَّلطنة، إذ يعكسان انتقالها من الاعتماد على النفط والغاز كمصدر رئيسٍ للطاقة إلى بناء قِطاع جديد، يرتبط بالتحوُّل العالمي نَحْوَ اقتصاد منخفض الكربون. هذا المسار يترجم رؤية «عُمان 2040» وأهداف الحياد الصفري بحلول 2050، ويؤكِّد أنَّ عُمان تتعامل مع الطاقة النظيفة كركيزة استراتيجيَّة تَضْمن استقرار الاقتصاد الوطني، وتمنحه موقعًا مؤثِّرًا في سلاسل القِيمة العالميَّة للطاقة.

وتبرز الشَّراكة مع كوريا الجنوبيَّة كعنوان رئيسٍ يعكس فلسفة الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة العُمانيَّة، فالعلاقة بَيْنَ البلديْنِ لم تَعُدْ مقتصرة على تصدير النفط والغاز، لكنَّها تطوَّرتْ إلى شراكة في تقنيَّات المستقبل وصناعاته، وهو ما يجعل التَّعاون أكثر رسوخًا واستدامة، فالتقاء خبرة كوريا الصناعيَّة المتقدمة مع موارد سلطنة عُمان وموقعها الجغرافي يوفِّر قاعدة صلبة لإقامة ممرٍّ تجاري للهيدروجين الأخضر، يربط أسواق آسيا وأوروبا عَبْرَ البوَّابة العُمانيَّة، والمنتدى العُماني ـ الكوري في سيئول قدَّم مثالًا عمليًّا على هذا التوجُّه، إذ ناقش الجانبان فرص الاستثمار، وطُرق التَّنفيذ، وبناء سلاسل الإمداد، وتطوير صناعات جديدة قائمة على الابتكار. هذه الخطوات تثبتُ أنَّ التَّحرُّكَ العُماني في ملف الهيدروجين يتجاوز جذب رؤوس الأموال، فهو يهدف إلى تأسيس سُوق متكامل للطاقة النظيفة، يَضْمن استدامة المشاريع، ويضع السَّلطنة في مصافِّ الدول العشر الكبرى المصدِّرة للهيدروجين الأخضر خلال العَقد المقبل وفْقَ تقديرات الوكالة الدوليَّة للطاقة.

وفي المحيط العربي، جاءتِ المباحثات الَّتي عقدَها معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار مع نظيره اللبناني لتفتحَ صفحةً جديدة في مسار التَّعاون الاقتصادي، حيثُ ناقش اللقاء ـ بجانب التبادل التجاري ـ مقترحات عمليَّة، مثل فتح خط طيران مباشر بَيْنَ مسقط وبيروت، وإقامة منتدى اقتصادي مشترك، وتنظيم مَعرِض للصناعات اللبنانيَّة.. هذه الأفكار تحمل أبعادًا أبعد من الاقتصاد وحده، فهي تفتح قنوات للتَّواصُل السِّياحي والثَّقافي، وتمنح العلاقات بَيْنَ البلديْنِ زخمًا جديدًا. وفي ظلِّ التحدِّيات الَّتي تواجه العالم العربي، فإنَّ بناء شراكات اقتصاديَّة حقيقيَّة يُمكِن أنْ يشكِّلَ مدخلًا للتَّنمية والاستقرار معًا، والتَّحرُّك العُماني نَحْوَ لبنان يبرهن على أنَّ السِّياسة الاقتصاديَّة للسَّلطنة لا تنحصر في الشَّراكات مع القوى الصناعيَّة الكبرى، وإنَّما تمتدُّ إلى تعزيز الروابط العربيَّة بما يرسِّخ التَّكامل، ويُعيِدُ للعلاقات العربيَّة ـ العربيَّة بُعدها العملي الَّذي يترجم إلى مصالح مشتركة قابلة للقياس والتَّنفيذ.

وعِندَ قراءة المشهد من زاويتين، الأُولى دوليَّة عَبْرَ الشَّراكة مع كوريا الجنوبيَّة، والثَّانية إقليميَّة عَبْرَ التَّعاون مع لبنان، يظهر بوضوح أنَّ عُمان تنسج شبكة اقتصاديَّة تجمع بَيْنَ حضور عالمي وتحالفات عربيَّة، هذه الشَّبكة لا تُبنى على مبادرات عابرة، وإنَّما على استراتيجيَّة وطنيَّة تهدف إلى تحويل السَّلطنة إلى محور في الاقتصاد الأخضر والتجارة الإقليميَّة، فربط الدَّاخل بالخارج يُمثِّل جوهر الرُّؤية. كما أنَّ المشروعات العملاقة في قِطاع الهيدروجين لن تُحققَ أهدافها من دُونِ أسواق وممرَّات تجاريَّة، وهو ما توفِّره الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة من خلال بناء تحالفات مع شركاء دوليِّين، وفتح قنوات مع الدول العربيَّة، والنَّتيجة أنَّ السَّلطنة تُعزِّز مكانتها كدَولة منتِجة ومصدِّرة وممرِّ عبور للطاقة النظيفة، وفي الوقت نَفْسِه تمنح محيطها العربي جسرًا للتَّواصُل مع الاقتصاد العالمي.. هذا التَّكامل بَيْنَ الوطني والعربي والدولي يجعل الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة رافعة لمكانة عُمان في عالم يتغيَّر بسرعة، ويبحث عن بدائل مستدامة للطاقة والنُّمو.