هل لدَيْنا دراسات وطنيَّة واضحة حيال مستقبل القِطاع الخاص العُماني بعد (20) سنة من اليوم؟ شخصيًّا أتمنى أن تكُونَ مؤسَّساتنا الوطنيَّة المعنيَّة بالدراسات الاستراتيجيَّة وعلى رأسها أكاديميَّة الدراسات الاستراتيجيَّة والدفاعيَّة والأكاديميَّة السُّلطانيَّة للإدارة وجامعة السُّلطان قابوس وغيرها من المؤسَّسات الوطنيَّة رفيعة المستوى الأكاديمي تملك تلك الدراسات، وتستطيع أن تُعيد تقييم الأوضاع والمشاهدة بِعَيْنِ المخلوقات الفضائيَّة.
حيثُ أصبح الأمر محسومًا حيال مستقبل الاقتصاد العالمي، أسواق القِطاع الخاص العالميَّة، مستقبل المهن والشركات والأسواق، أنَّ جميع ما سبق ذكره يعيش مرحلة الغربلة المستقبليَّة ونهاية مرحلة من مراحل الاقتصاد العالمي والدخول في مرحلة مستقبليَّة جديدة، حيثُ ستموت أسواق وستختفي مهن، ستنتهي قِطاعات سوقيَّة ومؤسَّسات وستبرز أخرى تستطيع مواكبة المستقبل القائم على التشكل.
ولعلَّ الحديث عن كُلِّ ما يتعلق باستخدام وتمكين الذكاء الاصطناعي في القِطاع الخاص العُماني في وقتنا الراهن يُعَد من القضايا الَّتي بدأت تطغى على الساحة الوطنيَّة، إلَّا أنَّ الواقع العملي ما زال يتعامل مع هذا الاتجاه بنوع من الخجل المشوب بالحذر. ولعلَّ الأمر لو تمعنا في البيئة المحفزة والبيئة العمليَّة لقلنا إنَّه طبيعي للغاية؛ لأنَّ بيئة القِطاع الخاص الوطني ما زالت تراوح مكانها في قضايا أوليَّة حيال سوق العمل وتمكين القِطاع الخاص والاقتصاد وغيرها من المسائل الَّتي لا يُمكِن فيها أبدًا أن تحرق مرحلة على حساب مرحلة سابقة.
وكُلُّ الخوف من أن يتمَّ تقسيمنا خلال المرحلة الزمنيَّة القريبة القادمة ووضعنا في خانة الأسواق البدائيَّة في المستقبل كما هو حال تسمية دول العالم الثالث، الدول النَّامية، وما سيتبع ذلك من اتجاهات تشريعيَّة دوليَّة وضعف في التبادلات التجاريَّة ونظرة مستقبليَّة غير مقبولة للسوق الوطني في ظلِّ التنافس المحموم على حجز مقعد من مقاعد قاطرة المستقبل في العصر الرَّقمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
على العموم لا أسعى في هذا الطرح إلى تشريح تحدِّيات القِطاع الخاص الوطني لوجود العديد من الدراسات والباحثين المتخصصين في هذا المجال، ولكن ما أرغب التأكيد عَلَيْه هو ضرورة وقوف مؤسَّسات الدولة ذات الاختصاص والتداخل والعلاقة بهذا القِطاع المُهمِّ للغاية حيال مستقبل تمكين الذكاء الاصطناعي في شركات ومؤسَّسات القِطاع الخاص الوطني؛ لأنَّ الحكومة ستجد نفسها في تحدٍّ خطير خلال السنوات القليلة القادمة وعلى رأس تلك التحدِّيات اتساع الفجوة بَيْنَ حاضر القِطاع الخاص الوطني والمستقبل الَّذي يعيشه سوق العمل العالمي والمهن والصناعات المرتبطة به، بحيثُ يُمكِن القول إنَّ القادم الواضح أنَّ العديد من القِطاعات والمهن والأسواق والمؤسَّسات ستختفي بالتدرج لعدم قدرتها على مواكبة احتياجات المستقبل.
المطلوب من الحكومة اليوم هو العمل على تحديد مكانها في أسواق المستقبل خلال (5) سنوات فقط، تحديد دَوْر القِطاع الخاص الوطني في تلك الأسواق، أين سنكُونُ؟ وماذا نرغب أن نكُونَ؟ ومَن هم شركاء المستقبل؟ وبغير ذلك ستنعكس كُلُّ تحدِّيات القِطاع الخاص الوطني بكُلِّ أبعاده على الأوضاع السياسيَّة والاقتصاديَّة والاستقرار الأمني والاجتماعي؛ لارتباط مستقبل القِطاع الخاص الوطني بكُلِّ ما ذكرناه سابقًا، مع الإشارة إلى أنَّ الحكومة اليوم تعتمد بشكلٍ كبير للغاية على هذا القِطاع لتأمين توسع بيئة الأعمال والوظائف للمواطنين.
ماذا سيحدث في حال لم يتمكن القِطاع الخاص العُماني من مواكبة تحدِّيات المستقبل خلال المرحلة القادمة؟ ماذا سيحدث في حال لم يتمكن من استيعاب تلك التطورات والتغيرات الحاصلة على مستوى التوظيف وتوسع بيئة الأعمال؟ في حال لم يتمكن من تشجيع الأسواق الكبرى وتلك الناشئة على الاندماج في السوق المحلِّي لعدم ملاءمة السوق المحلِّي مع التحوُّلات العالميَّة في الأعمال والمهن؟ في حال لم يستطيع توظيف متطلبات التقانة المستقبليَّة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والمعرفة الرَّقميَّة؟
على ضوء ما سبق أقول إنَّ لدَيْنا سنوات قليلة جدًّا لحسم هذا الأمر، ما بَيْنَ (5 إلى 10) سنوات فقط؛ استنادًا إلى سرعة التغيرات والتطورات التكنولوجيَّة الحاصلة في بيئة المال والوظائف والأعمال الدوليَّة، شركات القِطاع الخاص والسوق المحلِّي يَجِبُ أن يساير التغيير الحاصل في التقانة والتكنولوجيا وإلَّا سنجد أنفسنا خلال السنوات القليلة القادمة أمام صدمة المستقبل، حيثُ لن يتقبلنا السوق العالمي؛ لأنَّنا لا نستطيع توفير البيئة المطلوبة للعصر الرَّقمي، حيثُ ستختلف الوظائف وشكل الأعمال وحتَّى رجال المال والاقتصاد.
يَجِبُ تشجيع شركات القِطاع الخاص العاملة في سلطنة عُمان على الاندماج منذُ الأمس مع تكنولوجيا المستقبل وعلى رأسها توظيف الذكاء الاصطناعي في بيئة الأعمال الوطنيَّة والسوق المحلِّي، يَجِبُ تشجيع شركات القِطاع الخاص على الابتكار؛ لأنَّه يعني المزيد من الفرص في المستقبل، وعلى رأس قائمة ذلك التشجيع على الابتكار هو إدخال صناعات تستخدم الذكاء الاصطناعي، وظائف تساير هذا المجال، تدريب وتأهيل الكادر العُماني على العمل في أسواق الذكاء الاصطناعي، وأن تنالَ هذه الشركات مكافآت وتسهيلات وجوائز، وإن كان من توصيات في هذا الاتجاه فإنَّني أوصي بأن يتمَّ ابتكار جائزة باسم حضرة صاحب الجلالة للذكاء الاصطناعي وطنيًّا.
ختامًا: وللمرة الأخيرة أقول أمامنا للأسف الشديد سنوات قليلة جدًّا لتغيير سوق العمل العُماني، سنوات قليلة للتحوُّل من سوق تقليدي إلى سوق قادر على مواكبة متطلبات المستقبل، لتغيير شكل المؤسَّسات والسوق المحلِّي والمهن والوظائف، لتغيير الأفكار والثقافة والوعي المتعلق بالقِطاع الخاص؛ والحكومة مسؤولة على ذلك التغيير والتطوير في سياسات وتوجُّهات القِطاع الخاص المستقبليَّة.
إن كان من توصية فهي كذلك تشجيع مؤسَّساتنا الوطنيَّة الأكاديميَّة الَّتي أثبتت قدرتها الكبيرة على توفير الدراسات الأكاديميَّة اللازمة لإعداد خريطة المستقبل في هذا الاتجاه وعلى رأسها أكاديميَّة الدراسات الاستراتيجيَّة والدفاعيَّة والأكاديميَّة السُّلطانيَّة للإدارة وجامعة السُّلطان قابوس.
نعم.. على الحكومة استيعاب سرعة التغيير والمسارعة في العمل على رسم خريطة المستقبل للقِطاع الخاص الوطني، حتَّى لا نجد أنفسنا في عام 2035 على أبعد تقدير في صدمة مع المستقبل، وهذه الصدمة ستنعكس سلبًا على كُلِّ شيء في حياتنا الوطنيَّة المتعلقة بالقِطاع الخاص وعلى رأسها طبيعة السوق والمهن والتوظيف وما سيتبع ذلك من تأثير على كُلِّ شيء في البيئة الوطنيَّة العُمانيَّة، وعلى رأسها الوعي الوطني، الثقافة والتَّنمية السياسيَّة، والاستقرار والتعليم الَّذي هو أساس مستقبل الشعوب.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
MSHD999 @