الأربعاء 03 سبتمبر 2025 م - 10 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

أوراق الخريف : «قمة ألاسكا».. بين طموحات بوتين وحسابات ترامب

أوراق الخريف : «قمة ألاسكا».. بين طموحات بوتين وحسابات ترامب
الأربعاء - 20 أغسطس 2025 02:20 م

د. أحمد بن سالم باتميرا

160

اتجهت أنظار العالم يوم الجمعة الماضية إلى ألاسكا الَّتي تُعَد أكبر ولاية أميركيَّة اشترتها الولايات المتحدة الأميركيَّة من روسيا عام 1867. لقد تابع العالم بأسْره لقاء العام بَيْنَ الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمَّة تاريخيَّة مهدت الطريق نَحْوَ تحقيق السلام والاستقرار بَيْنَ روسيا وأوكرانيا من جهة، وبَيْنَ موسكو والغرب من جهة أخرى.

فاللقاء الثنائي الَّذي استمر ثلاث ساعات كان في غاية الأهميَّة حيثُ تطرق لمناقشة حرب أوكرانيا وإنهائها، بالإضافة للعلاقات الجيوسياسيَّة، والشروط الأساسيَّة الَّتي طرحها الرئيس الروسي لتحقيق الاستقرار ووقف الحرب.. ومع أنَّ اللقاء لم يتوصل لاتفاق نهائي لبعض النقاط الرئيسيَّة إلَّا أنَّه مهَّد الطريق لقمَّة قادمة بَيْنَهما بعد قَبول الرئيس الأوكراني للشروط الأميركيَّة الروسيَّة.

فروسيا لا يُمكِنها التخلي عن عُمقها الاستراتيجي وأمْنِها القومي، مقابل الإذعان للشروط الأميركيَّة والغربيَّة، والرئيس الأميركي يسعى هو لوقف الحرب لضمان جائزة نوبل للسلام الَّتي يأمل بها بعد تدخله لوقف الحرب وحلّ مُشْكلة أذربيجان وأرمينيا، واليوم يملك ترامب القدرة على تحقيق السلام لعلاقاته الجيِّدة مع الرئيس زيلينسكي ومع بوتين، خصوصًا وأنَّ أميركا ترسم سياسة جديدة شعارها أميركا أولًا.

وأعتقد أنَّ الرئيس الأميركي يسعى لاقتصاد قوي لبلاده من خلال السيطرة على بعض النوافذ المهمَّة في العالم ومِنْها في أوكرانيا وأرمينيا وسوريا وغيرها من الدول، والواضح أنَّ أميركا وروسيا على استعداد تام للمرحلة القادمة الَّتي تجعل مِنْهما دولتين وقوَّتين يرسمان تشكيل خرائط التحالفات الدوليَّة في القريب العاجل.

فالرئيس بوتين وصل لألاسكا وهو زعيم قوي يمسك بأوراق قويَّة على الأرض وترامب يدخل كزعيم يمسك بقرارات مجلس الأمن والأكثر قوَّة عسكريَّة ونفوذًا على الساحة العالميَّة حاليًّا، ومع ذلك خرج بوتين من اللقاء دون تقديم تنازلات جوهريَّة للطرف الآخر.

فنجاح ترامب سيجعله في القمَّة على مستوى العالم، ولكن بوتين لم يعطِه هذا الخيار، دُونَ الحصول على مكاسب واعتراف أميركي غربي بالسيطرة الروسيَّة على الأراضي المتنازع عَلَيْها الآن والَّتي أصبحت في حوزتها، كاختبار بَيْنَ الطموح الروسي والحسابات الأميركيَّة.

لذا فإنَّ اللقاء كان مثمرًا للطرفين كما أعلن الرئيسان بأنَّ قمَّة ألاسكا قد تجلب السلام إلى أوكرانيا، رغم غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عَنْها. ومع إشادات بوتين وترامب باجتماعهما، فإنَّ القمَّة التاريخيَّة تمَّت حسب ما خُطِّط لها، بالنسبة لروسيا وهو تخلِّي كييف عن طموحاتها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتحوُّل إلى دولة محايدة.

فالساعات الثلاث، الَّتي تابعها العالم دقيقة بدقيقة، وُصفت بأنَّها إيجابيَّة من حيثُ الشكل، لكن غامضة من حيثُ المضمون، خرج بوتين بمقترح انسحاب أوكرانيا من إقليم دونيتسك مقابل تجميد خطوط القتال في خيرسون وزابوريجيا، مع تقديم تعهُّد مكتوب بعدم مهاجمة أوكرانيا.

هذه المبادرة الروسيَّة أثارت جدلًا واسعًا في الغرب؛ لأنَّها تمنح روسيا الشرعيَّة لتحقيق مكاسبها العسكريَّة، ولكن أوكرانيا رفضت كُلَّ ما ذُكر في القمَّة، والَّتي من خلالها استدعى الرئيس الأميركي ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لواشنطن لدراسة المقترحات الروسيَّة والاتفاق على الضمانات الأمنيَّة الَّتي ستمهِّد لاتفاق سلام بَيْنَهما قريبًا.

فطموحات بوتين من القمَّة التاريخيَّة لم تتأثر كثيرًا، وحسابات ترامب مِنْها ما زالت عالقة للقمَّة القادمة الَّتي اقترح الرئيس الروسي أن يكُونَ انعقادها في الأراضي الروسيَّة لتحقيق التوازن بَيْنَ موسكو الَّتي ما زالت قوَّة عظمى وقادرة أن تفرض نفسها واقتراحاتها على واشنطن وغيرها، وأنَّ الغرب عَلَيْه أن يتفهم ذلك بأنَّ روسيا لن تسمح لأيِّ قوى أخرى أن تكُونَ دولة مسلَّحة وعلى حدودها ومنتمية لحلف الناتو.. واللبيب بالإشارة يفهم، والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا

[email protected]