استثمرت سلطنة عُمان عوائد النفط منذُ انطلاق نهضتها المباركة، في بناء شبكة متكاملة من الطُّرق والموانئ والمطارات، لتضع القِطاع اللوجستي في موقع محوري ضمن خططها التنمويَّة، وتمنحه دورًا أساسيًّا في تحقيق التنويع الاقتصادي المنشود، هذا الاستثمار لم يقتصر على إنشاء بنية أساسيَّة متطورة، لكنَّه جاء كخطوة استراتيجيَّة لتعظيم الاستفادة من الموقع الجغرافي الفريد الَّذي يربط آسيا بإفريقيا وأوروبا، ووضعت رؤية «عُمان 2040» القِطاع اللوجستي ضِمن ركائزها الأساسيَّة؛ باعتباره جسرًا بَيْنَ التجارة الدوليَّة والصناعات المحليَّة، وعاملًا حاسمًا في جذب الاستثمارات، وفي ظلِّ التنافس الإقليمي المحموم على حركة التجارة، تسعى السَّلطنة لتعزيز حضورها كمحطَّة عبور لا غنى عنها، مستفيدةً من موقعها على أهم خطوط الشحن البحري، هذا التوجُّه يمنح الشركات الوطنيَّة نافذة واسعة على أسواق جديدة، ويجعلها جزءًا من منظومة إمداد عالميَّة، قادرة على مواجهة الأزمات وتجاوز التقلُّبات الاقتصاديَّة.
لقد عزَّز اعتماد ميناء خزائن البَري، كمحطَّة نهائيَّة لاستقبال الحاويات العالميَّة، وافتتاح الممر الجمركي الآمن مع ميناء صحار، من تكامل منظومة الموانئ العُمانيَّة، ورسخ قدرتها على التعامل بكفاءة مع تدفقات البضائع، هذه الخطوة الاستراتيجيَّة بقدر ما عملت على تحسين ربط الموانئ أسهمتْ أيضًا في اختصار زمن العبور وتسهيل نقل الشحنات بَيْنَ الموانئ الداخليَّة والساحليَّة، فالموقع الاستراتيجي لميناء خزائن يمنحه دورًا محوريًّا في توزيع البضائع، سواء الموجهة إلى الأسواق المحليَّة أو العابرة نَحْوَ دول الجوار، كما أنَّ الممر الجمركي الآمن يضيف قيمة تشغيليَّة، بفضل تسريع الإجراءات وزيادة القدرة على استيعاب أحجام أكبر من الشحن، وهذه التطورات ترفع من تنافسيَّة السَّلطنة في قِطاع النقل الإقليمي، وتفتح المجال أمام توسع الأنشطة التجاريَّة، بما يعزِّز من قدرتها على جذب المستثمرين الباحثين عن بيئة لوجستيَّة متكاملة وموثوقة.
ولعلَّ أبرز ما حقَّقه الممرّ الجمركي الآمن، أنَّه أحدَث تحوُّلًا نوعيًّا في أسلوب إدارة سلاسل الإمداد، من خلال بيئة عمل تمنح التجار والمستثمرين سرعة وموثوقيَّة أكبر، وتقلِّل من التكاليف التشغيليَّة بفضل تقليص زمن التخليص الجمركي وتبسيط الإجراءات، هذه الميزة تمنح الشركات العُمانيَّة فرصة أكبر للتوسع في أسواق تعتمد على التسليم السريع، وتزيد من قدرتها على المنافسة في قِطاعات تحتاج إلى كفاءة عالية في النقل والتوزيع، كما أنَّ النِّظام الجديد يفتح الباب أمام أنشطة إعادة التصدير، ويجعل سلطنة عُمان مركزًا لإعادة توزيع البضائع في المنطقة، ومع هذا التحوُّل يتحفز القِطاع الخاص على استكشاف فرص جديدة في التجارة والخدمات المساندة، بَيْنَما يجد روَّاد الأعمال بيئة مواتية لابتكار حلول لوجستيَّة جديدة، ممَّا يخلق دَوْرة اقتصاديَّة متكاملة تتجاوز حدود النشاط المباشر للموانئ.
قدمتْ منظومة التخليص من محطَّة واحدة في ميناء خزائن، واعتماد رصاص وكيل الشحن وقَبول الضَّمان الخطي، نموذجًا واضحًا لكيفيَّة توظيف الابتكار في تبسيط الإجراءات الجمركيَّة، ولقَدِ استطاع ذلك خفض مستويات البيروقراطيَّة، ورفع من سرعة إنجاز المعاملات، ووفَّر بيئة أعمال أكثر جاذبيَّة ومرونة. إنَّ ربط هذه التسهيلات بأهداف رؤية «عُمان 2040» يوضح أنَّ السَّلطنة تتحرك بثبات نَحْوَ بناء قِطاع لوجستي ذكي، يعتمد على التحوُّل الرقمي والمعايير العالميَّة في الإدارة والتشغيل، ومع اشتداد المنافسة على التجارة العابرة للقارَّات، يمنح هذا التطوير السَّلطنة أفضليَّة واضحة، ويجعل ميناء خزائن البري نموذجًا يحتذى به في إدارة الموانئ الحديثة، فهذا النموذج لا يقتصر على الكفاءة التشغيليَّة، لكنَّه يمتدُّ ليشملَ القدرة على الابتكار المستمر، بما يضمن الحفاظ على موقع تنافسي متقدم في سُوق لوجستيَّة تتغير ملامحها باستمرار.