بينما ينام العالم على وعود العدالة وحقوق الإنسان، تُطوى ليالٍ طويلة في غزة على جوع متصاعد، وبطون خاوية، وأطفال ينتظرون كسرة خبز أو رشفة ماء.
قطاع غزة لا يعيش فقط تحت الحصار، بل يعيش تحت شبح الجوع الذي بات يهدد حياة ملايين السكان بشكل مباشر.
الجوع في غزة ليس فقط نتيجة للفقر أو تراجع الاقتصاد، بل هو سلاح ممنهج يُستخدم لكسر الإرادة، ومعاقبة شعب بأكمله. ما يحدث اليوم داخل القطاع تجاوز حدود الكارثة، ولامس حدود المجاعة الجماعية.
منذ عام 2007م، والقطاع يعاني من حصار بري وبحري وجوي فرضته سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى شلل شبه كامل في حركة التجارة، ومنع دخول المواد الأساسية، بما فيها الغذاء والدواء.
لكن مع تصاعد العدوان في السنوات الأخيرة، تحوّل الحصار من مجرد تضييق إلى أداة حرب مدمرة، حيث يتم استهداف الأراضي الزراعية بالقصف والتجريف، والمزارعين والصيادين بالقتل أو الاعتقال، ومخازن الغذاء والمخابز بالقصف المباشر، والمعابر بمنع دخول شاحنات المساعدات والمواد الغذائية، إنه خنق تدريجي لكنه منهجي، حتى بات الجوع اليومي واقعًا ملموسًا، وليس خطرًا بعيدًا.
المعاناة لم تعد بحاجة إلى وصف بلغة أدبية، فالأرقام باتت كافية لتجسيد الواقع، 1.7 مليون إنسان من أصل 2.3 مليون يواجهون انعدامًا حادًّا للأمن الغذائي 98% من المياه غير صالحة للشرب أكثر من نصف الأطفال يعانون من سوء تغذية متوسط إلى شديد، تم تسجيل حالات وفيات بسبب الجوع، خاصة في شمال القطاع، في ظل العزل الكامل للمناطق وانقطاع المساعدات.
وقد حذّرت منظمة الصحة العالمية من أن غزة قد تشهد مجاعة فعلية إن استمر الوضع على هذا المنوال، حيث أصبح الحصول على الغذاء مسألة حياة أو موت.
بعض العائلات تغلي الأعشاب البرية لتصنع منها (حساء) أطفال يأكلون من بقايا القمامة عائلات كاملة تقتات على وجبة واحدة كل 24 ساعة أو أقل.
ووسط هذا كله، تُستخدم المساعدات الإنسانية كسلاح ضغط سياسي، ويتم تأخير دخولها أو إفراغها من محتواها بحجج أمنية واهية.
رغم النداءات اليومية من منظمات الإغاثة الدولية، يبقى الموقف العالمي عاجزًا أو متواطئًا، يُسمح للحرب أن تلتهم الجوعى، ويُغضّ الطرف عن استهداف المدنيين، ويُترك المعبر مغلقًا أمام شاحنات الغذاء بينما تُفتح طرق السلاح، أين الضمير العالمي والعربي من أطفال يُحرمون من الحليب؟ من نساء حوامل لا يجدن الطعام؟ من مرضى يتضورون جوعًا في المستشفيات؟ الإنقاذ ممكن، ولكن القرار سياسي قبل أن يكون إنسانيًا، غزة ليست فقط مدينة تحت القصف، بل هي جرح مفتوح في ضمير العالم.
الجوع الذي يفتك بسكانها اليوم هو امتداد لمعركة طويلة بين الظلم والصمود، بين القتل والبقاء، بين الصمت والصوت.
لكن غزة – كما عوّدتنا – لن تنكسر. ستُطعم أطفالها من الصبر، وتخبز من الألم أملًا جديدًا، لكنها تحتاج إلى من ينتصر لها، لا من يرثيها.. لأجل غزة، لا يكفي أن نحزن.. يجب أن نتحرك.
زاهر بن ناصر بن حمد الكويلي
كاتب عماني