الأربعاء 13 أغسطس 2025 م - 19 صفر 1447 هـ
أخبار عاجلة

أضواء كاشفة : حينما تولد التنمية من نبض الناس

أضواء كاشفة : حينما تولد التنمية من نبض الناس
الثلاثاء - 12 أغسطس 2025 01:08 م

ناصر بن سالم اليحمدي

170

تشهد البلاد حاليًّا حراكًا مُجتمعيًّا وحكوميًّا نَحْوَ الاهتمام بقِطاع الشباب الَّذين يعدون الثروة الحقيقيَّة الَّتي تعول عليها البلاد الأمل في النهضة والارتقاء، فعلى أكتافهم تقام قواعده وبسواعدهم يرتفع البنيان ويزدهر ويتحقق الاستقرار.. ذلك أنَّ الاستثمار الحقيقي ليس في المشروعات المقامة، بل في المواطنين أنفسهم بإدراكهم ووعيهم لما ينهض بالبلاد ويرتفع بها نَحْوَ المعالي.

ومن مظاهر الاهتمام بالشباب والحرص على الارتقاء بهم بل وبكُلِّ أفراد المُجتمع يأتي الاستطلاع الَّذي أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بعنوان «العمل والحماية الاجتماعيَّة والرياضة» والَّذي أظهرت نتائجه مؤخرًا أنَّ نسبة رضا العُمانيين عن توافر فرص عمل للشباب في عام 2025 بلغت (36%).. بَيْنَما شعر (73%) من المشتغلين بالأمان الوظيفي.. كما أوضحت النتائج أنَّ (50%) من المشاركين راضون عن نظام التقاعد الَّذي يخضعون له حاليًّا.. وكشف الاستطلاع أنَّ (72%) من العُمانيِّين يمارسون الرياضة بمعدَّل مرَّة على الأقل أسبوعيًّا، كما يمارس (32%) من العُمانيِّين الهوايات والأنشطة الترفيهيَّة بمعدَّل مرَّة على الأقل أسبوعيًّا.. وبلغت نسبة رضا العُمانيِّين عن الخدمات والمرافق السياحيَّة المحليَّة (63%) وعن الفعاليَّات الترفيهيَّة (74%).. وأرفق الاستطلاع النسب الموازية لعام 2023م من هذا الاستفتاء وبالمقارنة بعضها تغيرت نتائجه بالسلب وأخرى بالإيجاب وذلك بالقِطاعين الحكومي والخاص.

لا شك أنَّ نتائج هذا الاستطلاع الَّذي أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات مهمَّة ويَجِبُ أن يأخذها المسؤولون في الاعتبار عِندَ وضع الخطط والاستراتيجيَّات الَّتي تخص شريحة كبيرة من المُجتمع.. فمثل هذه الإحصاءات والاستطلاعات توضح لنا كيف يفكر الشباب وما هي طموحاتهم وآمالهم الَّتي يَجِبُ أن نعمل على تحقيقها حتَّى ينهض المُجتمع.. وتؤكد مدى حرص الحكومة على إشراك المواطن في كُلِّ ما يتعلق بمسيرة التَّنمية وتحقيق النمو المستدام.. فمعرفة المُشْكلة تساعد على حلِّها لتتقدم الخطط في الطريق الصحيح وتُبنى السياسات والاستراتيجيات بكفاءة وفعاليَّة.

الشيء المبشر أنَّ استطلاع المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تزامن مع إعلان وزارة العمل عن إجمالي التوظيف والإحلال للنصف الأول من العام الجاري للقِطاعين الحكومي والخاص والَّذي بلغ (12) ألفًا و(936) وظيفة.. وهذا بالتأكيد رقم كبير يظهر مدى الجهد المبذول في هذا الملف ومدى اهتمام الحكومة بقِطاع الشباب، لا سيما أنَّ إجمالي عدد فرص التدريب المقرون بالإحلال والتشغيل بلغ (4292) فرصة، كما أعلنت الوزارة لِيكُونَ إجمالي التوظيف والتدريب (17) ألفًا و(228).. فالحكومة تعد أنَّ التدريب وسيلة تصبُّ في خانة الاستفادة من طاقات الشباب فيما يعود على الوطن والمُجتمع بالخير والنماء والازدهار والوصول للتنمية المستدامة لأنَّ تمكين الباحثين عن عمل من التخصص في مجال معين بالتدريب وإعداد الكفاءات البشريَّة وتأهيلها يحقق النُّمو المستدام على كافَّة المستويات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والصناعيَّة ويمنح المُجتمع السّمة المميزة والتطور المنشود.

لقد وجَّه عاهل البلاد المُفدَّى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ الحكومة ومؤسَّسات المُجتمع المدني إلى ضرورة تشجيع الشباب على الإبداع وتعزيز مهاراتهم بالتدريب وطالبهم بفتح الأبواب أمامهم لخوض سوق العمل وبيدهم سلاح الخبرة والمعرفة والحداثة.. فتم تنفيذ ذلك وفق استراتيجيَّات وسياسات يمتد معينها للمستقبل، حيثُ تسهم في تطوير وتنمية عقليَّة الأجيال المقبلة، خصوصًا فيما يتعلق بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الَّتي تُسهم بشكلٍ كبير في نمو الاقتصاد الوطني.

إنَّ الاستراتيجيَّات التطويريَّة الَّتي تعمل على تنمية مهارات ومواهب الشباب وإكسابهم الخبرات المهنيَّة تسهل من مهارات التفاعل مع سوق العمل، وتمنحهم التميز والحرفيَّة، وتمكنهم من القيام بدورهم المنوط بهم على أكمل وجه.. فكُلٌّ منهم يمثِّل لبنة في صرح الوطن وبصلاح وتمكين هذه اللبنة يستقيم الصرح ويعلو وتتحقق التَّنمية المنشودة.. والأرقام الَّتي شملها هذا الاستطلاع ليست مجرَّد بيانات، بل ملامح لوجه الوطن وانعكاس لأُمنيات شَعبه.. وأداة لبناء مستقبل يكُونُ فيه العمل كافيًا والحماية شاملة والرياضة أسلوب حياة.

إنَّ هذا الجهد الإحصائي علامة على أنَّ التخطيط الناجح يبدأ من الإصغاء، وأنَّ التَّنمية الحقيقيَّة لا تولد من فراغ، بل من نبض النَّاس ومن تلك المسافة القصيرة بَيْنَ السؤال والجواب.. بَيْنَ الحلم والواقع.

نتمنى لحكومتنا الرشيدة التوفيق في الاستفادة من طاقات الشباب وتنمية الموارد البشريَّة على النَّحْوِ الَّذي ينهض بالبلاد ويعلي من شأنها.. ونتمنى للشباب الاستقرار وأن يوفقوا في تطوير وطنهم ورفع رايته خفاقة عالية في كافة المحافل الدوليَّة، وأن يكتسبوا الخبرة والمعرفة الَّتي تعود عليهم وعلى المُجتمع بالنفع والخير الوفير.

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني